هذا حدث ينبغى أن نقف أمامه بكل التقدير.. رغم أن المسألة بدأت بهزار من النوع السخيف الماسخ.. فقد تركوا العروض العالمية التى جاءت من الشرق والغرب والشمال والجنوب، لكى تقدم فنونها على أرض مصر فى ظاهرة بديعة، وأمسك بعض الإعلاميين فى عرض يابانى هو»الكابوكي»، من أشهر الأعمال الجماهيرية، يرجع تاريخه إلى عام 1603م وأسسه أزومو نو اوكوني، وموجود على لائحة التراث العالمى لـ «اليونسكو»، وكانت جهود واتصالات الوزير الفنان فاروق حسنى واضحة والكثير من الفرق الأوروبية جاءت بعلاقاته، خاصة عندما كان مديراً لأكاديمية الفنون فى روما.. ولمن لا يعرف، فهى بيت الفن المصرى العريق يحتضن كل مبدع وكل زائر.. وفى هذه الأيام يتجدد الوصال مع المهرجان الدولى للمسرح التجريبى بأعمال أغلبها خارج الصندوق، وتتسم بالدهشة إلى درجة الجنون، فى إطار فنى من حقك أن تقبله أو ترفضه، لكنها للمتخصص وعاشق المسرح دروس تأتى إليه «دليفري»، سمع عنها وها هى أمامه وجهاً لوجه.
احتفلنا منذ أيام قليلة بالمهرجان القومى للمسرح، وتكريم مجموعة من أصحاب القامات العالية فى دورة حملت اسم ست المسرح «سميحة أيوب».. وفى ظل حالة الغليان التى تعيشها المنطقة، عندما تأتى إلينا هذه المجاميع من أهل الفن، تصبح الرسالة أكبر من كونها احتفاليات مسرحية.. وقد أعجبنى الدكتور سامح مهران رئيس المهرجان، عندما جادله البعض حول تكريم محمود حميدة وسجله يكاد يخلو من المسرح مثل غيره، وكان جوابه: يا جماعة السينما أكثر انتشاراً ونجومها لامعة تجذب الأضواء ووجودهم معنا دعاية مجانية لفنون لا يقترب منها إلا من كان على درجة الوعى بما فيها من جهد وابتكار وتنوع لمدارس على كل لون.
كنز الكتب
تعوّد المهرجان منذ دورته الأولى برئاسة القدير فوزى فهمى أن يصدر كنزاً من روائع الكتب عن فنون المسرح فى العديد من دول العالم بأقلام شهيرة.. ما كان لمحب الفن فى مصر أن يصل إليها بسهولة.. واستمر هذا التقليد بعد فترة التوقف الإجبارية التى جرى فيها حجب المهرجان حتى عاد فى عام 2020، برئاسة الدكتور علاء عبدالعزيز وكانت لمسة وفاء من سامح أن يكرمه وأن يجعل الدورة كلها باسمه.. منتهى الاحترام والتقدير، وقد تعودنا أن يمشى كل جديد على تاريخ من سبقه بأستيكة يمحوه محواً أبدياً.. وأهم شيء، تلك الذخيرة من المطبوعات التمثيل المجسد، نظرية الأداء، سطوة المهرجين، المسرح والحياة، سيرة مسرح المجاميع، المسرح وغواية المركزية، صرخة فى وجه النقد، مسرح الابتكار، التجسيد الدرامي.. شكراً لمن كتب، والشكر أكبر لمن ترجم وطبع ونشر.
بوفيه مفتوح
العروض العالمية من جنوب أفريقيا، رومانيا، الهند، المجر، اليونان، الاكوادور، ألمانيا، اسبانيا، وبعض هذه الدول جاءت بأكثر من عرض.
أغلب العرب حضروا من السعودية، فلسطين، الأردن، الامارات، العراق، الكويت، سلطنة عمان، المغرب، إلى جانب عروض محلية ولجان تحكيم ومشاهدة على أعلى المستويات.
إن هذا الحشد لا تقدر عليه فى الوقت الحالي، إلا مصرنا.. بما يشملها الكرم الإلهى بالأمن والاستقرار والعافية، على أن تبنى وتبدع وتفتح أحضانها للكل.. وكنت أتمنى وأكرر ما قلت بأن العلمين فى مهرجانها السياحى الفنى الكبير، الذى أبهر الجميع بما قدمه من حفلات وفعاليات مختلفة وراقية كان يجب أن يكون لها نصيبها من بعض عروض المهرجان، ثم ايه المانع أن يكون الختام مثلاً هناك؟!.. أعتقد كانت أجواء العلمين ستزيد المهرجان جمالاً نعرض بضاعتنا على الدنيا كلها.. يا أخى مهند فى مسلسلاته خدم السياحة التركية بملايين الدولارات.. فما بالك بعروض مصرية لها وزنها يمكن أن تخدم السياحة المصرية كثيرًا؟!.. وهذا ما نلفت إليه أنظار صُناع الدراما.. خذوا كاميراتكم واذهبوا بها إلى كل شبر فى مصر، ولا بأس من كتابة موضوعات مخصوصة تدور فى سانت كاترين وشرم الشيخ والغردقة وأسوان والأقصر.
هل تذكرون «غرام فى الكرنك» حتى وقتنا هذا و»حلاوة شمسنا.. والأقصر بلدنا» وكلها أماكن يجب أن يراها القاصى والدانى لصالح السياحة والفن ومكافحة البطالة وزيادة العملة الصعبة بنت الأصعب؟!.. وقد قال فاروق حسنى عن هذا المهرجان كلمات يجب أن نعيدها لتنشيط الذاكرة:
التجريب.. ليس هدفًا
لا خلاف أن التجريب ليس هدفاً فى حد ذاته.. بل أحد أدوات الطموح لتجاوز وضع سائد يغلق أبواب الحرية والتطور ويعطل قدرات الخيال والتصور ويحاصر قوى التغيير والتحرر، بعوائق تتنوع أقنعتها وتتعدد شعاراتها، وإن كانت فى الحقيقة تستهدف بالأساس إنتاج حالة استبداد وجمود وتقولب، لكن الثقافة المشحونة بطاقة الاستشراف والتبصر والترقب القادرة على طرح التساؤلات من خلال مداومتها للتفكير النقدى وعياً بالمستقبل وتفتحاً على المستبعد.. إن المجتمعات لا يقاس تقدمها فقط بدرجة انفتاحها على الجديد من حولها، بل بمدى درجة الاستجابة لذلك التغيير الإيجابى وإنجازه.
لا أظن أن كلمة يلقيها وزير الثقافة الحالى أحمد هنو، وهو من أهل الفن التشكيلى أيضا، ستختلف عما قاله فاروق حسنى منذ 36 عاماً.. ويجب أن نشكر «الكابوكي» لأنه لفت الأنظار إلى مهرجان للصفوة.. قبل أن يطل علينا سيدنا «التريند» لكى يحول حياتنا كلها إلى مهرجانات، للأسف أبطالها بيكا وأوكا وكزبرة ودبشة وشاكوش، وأنا وانت!