جمعتنى جلسة مع عدد من الشباب تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعين وتحدثنا فى أمور عديدة ووجدت منهم اهتماماً حقيقياً بمعرفة تاريخ مصر.. وسألتهم سؤالاء بسيطًا وهو ماذا تعرفون عن يوم 31 أكتوبر؟ وماذا قيل لكم هذا اليوم أو بالأدق عندما تسمعون هذا التاريخ ما هو أو شيء يخطر ببالكم؟.. كانت المناسبة أن اليوم هو 31 أكتوبر.. فأردت أن أعرف كيف يفكرون؟
سكت معظم الشباب وتحدث القليل، والغريب أن أول شيء خطر ببال من تحدث هو «الهالووين» وهو عيد يحتفل به الأمريكيون فى ليلة 31 أكتوبر من خلال ارتداء أزياء خاصة وسرد حكايات السحر والأشباح حيث يعتقد المحتفلون فى هذا اليوم أن الحدود بين عالم الأحياء والأموات تكون غير واضحة فى هذا اليوم بل يرون أن الأموات يعودون إلى الحياة فى هذا اليوم ويقومون بالتخريب وتخويف الأحياء من خلال أزياء وأقنعة مخيفة.. وبرغم أن الإسلام والمسيحية يحرمان هذا الاحتفال إلا أن الغرب نجح فى اشغال شبابنا بهذا اليوم، كما شغلهم بأشياء أخرى كثيرة تبعدهم عن قيمهم وأفكارهم وتاريخهم الصحيح حتى إنهم نسوا ماذا حدث فى هذا اليوم «31 أكتوبر» فى مصر منذ 68 عاماً.
قلت لهم: حتى لا ننسى لابد أن نعرف تاريخ بلادنا لأن كل أحداث اليوم مرتبطة بالأمس وهو تاريخ متكامل.. فبعد ثورة 23 يوليو 1952 وإعلان مصر استقلالها.. كانت قوى العالم تتغير بعد الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام 1945.
لم يعلن عبدالناصر قائد ثورة 23 يوليو العداء لأحد لكنه أعلن استقلال الإرادة المصرية، وهو ما ترفضه تماماً القوى الاستعمارية.. وفى يونيه عام 1954 كانت مفاوضات جلاء الاحتلال الإنجليزى عن مصر «بدأ الاحتلال عام 1882».. وتم اجلاء آخر جندى بريطانى عن مصر فى 18 يونيه 1956.. وفى 26 يوليو 1956 أعلن جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس بعد رفض البنك الدولى – بإيعاز غربى – عدم تمويل السد العالى وهنا كشف الإنجليز والفرنسيون عن وجههم الحقيقى خاصة أنهما كانا فى مرحلة الأفعوان العالمى كقوى عظمى من خلال تغيير فى القوى العالمية وبروز أقطاب جديدة وتحديدًا أمريكا والاتحاد السوفيتي.. لذلك ساهمت هذه الحرب فعليًا فى تشكيل التوازن الدولى بعد الحرب العالمية الثانية وكان إعلان مصر رفض الأحلاف ورفض الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين بمثابة إعلان حرب من القوى الصهيونية ضد مصر خاصة رفض تسليح مصر ورفض تمويل السد العالى ودعم إسرائيل على حدودنا مما شجع إسرائيل على اقتحام سيناء والاتجاه ناحية قناة السويس وهنا تدخلت بريطانيا وفرنسا لوقف القتال والانسحاب بعيدًا عن قناة السويس عشرة كيلو مترات وقبول احتلال مدن القناة بواسطة قوات بريطانية فرنسية بحجة حماية الملاحة فى القناة ورفضت مصر احتلال مدن القناة بالطبع وهنا هاجمت بريطانيا وفرنسا مصر من خلال غارات جوية على القاهرة والإسكندرية ومدن القناة.
وبدأ الغزو البريطانى الفرنسى لمصر بداية من بورسعيد والتى تحملت هجومًا جويًا وبحريًا شديدًا تمهيدًا للإنزال الجوى بالمظلات وهنا ظهرت الإرادة المصرية وبدأت المقاومة الشعبية فى بورسعيد.. وقاد كمال رفعت عضو مجلس قيادة الثورة المقاومة الشعبية فى بورسعيد، وكان الامداد الشعبى يوميًا فى مدينة المطرية دقهلية عبر بحيرة المنزلة من خلال المتطوعين والأسلحة.. وأعلن الاتحاد السوفيتى دعمه لمصر ورفضه للعدوان الثلاثى كما رفضت الولايات المتحدة هذا العدوان الذى تم دون علمها.. وفى 7 نوفمبر توقفت الحرب فى هدنة ثم دخلت قوات طوارئ ثانية للأمم المتحدة.. وأنزلت مصر العلم البريطانى من أعلى مبنى هيئة قناة السويس فى 19 ديسمبر وبدأ الانسحاب الفرنسى الإنجليزى من بورسعيد يوم 22 ديسمبر لتتسلم مصر قناة السويس وبورسعيد يوم 23 ديسمبر وهو عيد النصر الذى كنا نحتفل به سنويًا والآن أصبح عيدًا قوميًا لمحافظة بورسعيد.
كان هذا السؤال ضروريًا فى هذا اليوم حتى يعرف شبابنا ولا ينسوا تاريخنا.. لأن الحاضر نتاج الماضى وإعداد مستقبل.. ومهما حدث فإن الصهيونية العالمية تضع مصر نصب أعينها وتعلم جيدًا أن قوة مصر هى قوة المنطقة أكملها، وأن ضعف مصر يؤثر على من حولها تأثيرًا مباشرًا ولذلك فإن الحرب ضد مصر تطورت من حرب عسكرية إلى حرب اقتصادية ومعنوية وفكرية.. وحرب شعواء ضد الأجيال القادمة من خلال التجهيل والتغريب وخلق بيئات فكرية ومعنوية مختلفة لتقتل فينا كل الإيجابيات الناتجة عن ديننا وقيمنا وتاريخنا وارتباطنا بالأرض.
لابد أن نؤكد على قيمنا وتاريخنا وقيم ديننا ومعاملاتنا الطيبة حتى لا ينسى شبابنا ويظل مرتبطًا بالأرض والتاريخ مستهدفًا المستقبل مهما كانت المصاعب والتحديات.