الفنان عبدالعزيز محمود أحد أيقونات زمن الفن الجميل ، والذى حقق شهرة ونجومية فترة الأربعينات والخمسينات بعذوبة صوته وأدائه المميز جعلته مطرباً لجميع الطبقات الشعبية والأرستقراطية حتي أطلق عليه لقب « ربان الأغنية الشعبية ، فكان الجميع يردد أغانيه التى تميزت بخفة الظل والسهولة ، مما كان سببا كبيرا فى إنتشارها والتى ما زلنا نرددها حتى اليوم منها : منديلى الحلو يامنديلى – يا تاكسى الغرام – يانجف بنور ياسيد العرسان – لمين هواك – شباك حبيبى – لوليتا ، إلى جانب أغنيته الرمضانية الشهيرة « مرحب شهر الصوم مرحب « والتى أعتبرت أيقونة إستقبال شهر رمضان ، والتى تذاع دائماً مع حلول الشهر الكريم إيذاناً للجميع بقدوم شهر رمضان .
ومع تألق صوت عبدالعزيز محمود فى أداء الأغانى الشعبية والعاطفية أصبح نجم الأفراح الأول محققاً نجاحاً كبيراً ، لدرجة أن الأسر والعائلات الكبيرة كانت تحدد مواعيد أفراحها وزفاف أبنائها على حسب مواعيد مطرب الأفراح الأول وإرتباطاته المهنية.
الميلاد فى الصعيد
ولد عبدالعزيز محمود الخناجرى فى 11 ينايرعام 1911 فى قرية الخناجرة بصعيد مصر فى محافظة سوهاج لأسرة ميسورة الحال ، ولكنه عاش حالة اليتم مبكراً بعد وفاة والده وهو فى مرحلة الطفولة ، وجاءت الوفاة المبكرة لوالده سبباً لحدوث مشاكل الميراث مع اسرة الوالد، ومع عدم حصول الأخوين وأمهما على حقوق ميراث الأب كان سبباً للأم لأن تترك بيتها والمدينة، وتأخذ ولديها لتعيش بعيداً عن أهل زوجها الراحل وتستقر فى اقصى شمال مصر بمدينة بورسعيد ، وفى المدينة الساحلية إضطر الشقيقين النزول لسوق العمل مبكراً ، فإلتحق الإبن الأصغر عبدالعزيز محمود فى العمل بالميناء بإحدى الشركات الأجنبية للشحن والتفريغ ، وهناك بدأت تظهر موهبته الفنية التى نمت منذ طفولته بالصعيد ، فقد كان يحب الإستماع لأصوات الربابة ومواويل الأفراح وأصوات الباعة الجائلين .
كان عبدالعزيز محمود يغنى أثناء العمل ، فإشتهر بين زملائه بحلاوة صوته وغنائه للبمبوطية ، فكانوا يشجعونه على الإستمرار بالغناء لهم وفى سهراتهم وأفراحهم ، حتى أصيب يوماً فى حادث فكسرت ساقه وتم بترها ، فقام بتركيب طرفاً صناعياً بدائياً مقارنة بالأطراف الموجودة حالياً ، ومن ثم تأتى المفاجأة الثانية فى إستغناء الشركة عن عمله بها ليجد الشاب نفسه بلا عمل أو مستقبل مهنى .
مطرب الأفراح والموالد
اضطر الشاب اليائس أن يلجأ لموهبته الغنائية والتفرغ للغناء وإعتباره مورد رزقه الوحيد فأصبح يغنى فى الأفراح والموالد محققاً بخفة دمه وصوته العذب الجميل الشهرة بين أبناء بورسعيد ، إلى أن لعبت الصدفة لعبتها عندما كان يغنى فى أحد أفراح زملائه ، وتصادف أن تواجد فى الفرح الموسيقارمدحت عاصم رئيس قسم الموسيقى والغناء بالإذاعة ، فإستمع لصوته حينها وأعجب به ،وأشار له بأن يأتى للقاهرة إذا أراد أن يحقق نجاحاً فى مجال الغناء ، وأعطاه الكارت الخاص به ، ولم يلبث عبدالعزيز محمود فى أن إقتنص الفرصة ويرحل سريعاً إلى القاهرة ويدق أبواب الإذاعة المصرية ، ويستقبله مكتشفه مدحت عاصم ، ويتم إعتماده بالإذاعة عام 1934 ليصبح مطرباً بالإذاعة وعمره 23 عاماً وأجره أربعة جنيهات ،وإيماناً بموهبته قدم مدحت عاصم له أول لحن خاص فى حياته عام 1937 بقصيدة أبوالقاسم الشابى « فجر جديد « .
وفى الإذاعة وجد عبدالعزيز محمود نفسه وسط المجال الفنى فإلتقى بفنانيها فى بداية مشواره وإستمعوا له وأعجبوا بصوته إلى أن نصحه المخرج السينمائى سيد زيادة بأن يزيد فى التروّيج لموهبته الغنائية من خلال الظهور فى الأفلام السينمائية وتقديم أغانيه الخاصة بها ، ومن ثم إستمع للنصيحة فشارك بالغناء فى فيلم « عريس الهنا « وعمره 33 سنة بطولة بدرلاما وبدرية رأفت إخراج إبراهيم لاما عام 1944، بل وتم وضع إسمه فى تيترات الدعاية بالبنط العريض خلف بطلى الفيلم ، وفى نفس العام شارك أيضاً بالغناء فى فيلم « وحيدة « مع نفس بطلى الفيلم ومخرجه ، وفى العام التالى قام بتلحين أغانيه التى رددها فى فيلم « رجاء « بطولة الفنانة رجاء عبده .
ومن هنا بدأ مشوار غنائه فى الأفلام ، وإن كانت أغنيته « يا نجف بنور ياسيد العرسان « فى فيلم « قلبى دليلى « لليلى مراد وأنور وجدى عام 1947 هى التى حققت الشهرة له حتى أصبح نجم شباك يتسابق عليه المنتجون والمخرجون للمشاركة فى الأفلام بتقديم عدد من أغانيه وألحانه وممثلاً بأدوار ثانوية وصلت لأكثر من 25 فيلماً منها سلطانة الطرب لكوكا ، وإمرأة من نارلكاميليا ، والمنتقم لأحمد سالم ، والستات عفاريت لليلى فوزى ، وهارب من السجن لحسين رياض ، ويحيا الفن لمحمد أمين ، وفوق السحاب لعزيزة أمير ، وخلود لفاتن حمامة ،ولهاليبو لنعيمة عاكف ، والمتشردة لحكمت فهمى ، وحياة حائرة لنور الهدى ، والبوسطجى لسراج منير .
لعب عبدالعزيز محمود أول دور بطولة فى أفلامه كممثل ومطرب فى الفيلم الشهير « منديلى الحلو « أمام الفنانة تحية كاريوكا وإسماعيل يس إخراج عباس كامل عام 1949 ، لينطلق بعدها لبطولات مطلقة للأفلام السينمائية منها : أسمر وجميل مع سامية جمال ، وهيبة ملكة الغجر مع كوكا ، شباك حبيبى مع نور الهدى ، خد الجميل مع سعاد مكاوى ، جنة ونار مع نعيمة عاكف ، كما أسس شركة إنتاج سينمائى أنتج من خلالها ثلاثة أفلام لعب بطولاتها هى : القدر والمكتوب مع شريفة ماهر ، وعلشان عيونك مع الوجه الجديد نوال ، وتاكسى الغرام مع هدى سلطان.
وبالرغم من نجاح فيلمه الأخير تاكسى الغرام إلا أنه كان أخر أفلامه كممثل حيث توقفت مسيرته السينمائية تمثيلاً عام 1954 ، وإن كان قد شارك بالتلحين فى أغانى الأفلام التالية والتى يكون مشاركاً فيه بالغناء ، لتصل مشاركاته فى السينما إلى 50 عملاً سينمائياً ما بين تمثيل وغناء وألحان ، وكان أخر أفلامه « بياضة « مع رشدى أباظة ويسرا إخراج أحمد ثروت عام 1981 ومن إنتاج تلميذته المطربة فاتن فريد ، وهو أيضاً أخر أفلام العملاق الراحل رشدى أباظة .
4 زوجات و7 أبناء
تزوج عبدالعزيز محمود أربعة مرات الأولى من خارج الوسط الفنى ، وكانت تعمل مديرة مدرسة وأنجب منها إبنه حشمت وإبنته ولاء ، ثم طلقها بعد ثلاث سنوات ، وتزوج من الفنانة إعتدال شاهين وأنجب منها إبنته عزة ، ثم تزوج للمرة الثالثة من إحدى صديقات الفنانة ليلى مراد فى فيلم « غزل البنات « عندما شاهدها أثناء تصوير أغنية « إتمخترى وإتميلى ياخيل « حيث كانت تمتطى إحدى الخيول التى تسير بجوار ليلى مراد ، وأنجب منها طفلين هدى وهشام ، إلا أن المسيرة الزوجية لم تستمر كعادة الفنان الراحل فإنفصلا بعد سنوات قليلة ، ثم كانت زيجته الرابعة والأخيرة من الفنانة فوزية إبراهيم ، وأنجب منها ابنتيه نهاد وهويدا ، وظلت زوجته الرابعة تلازمه وترعاه فى أواخر أيامه وفترة مرضه حتى بعد طلاقهما .
عبد العزيز محمود هو «مطرب الأغنية الشعبية» فهو لم ينس جذوره التى انطلق منها ، واتسمت معظم أغانيه بالطابع الشعبى العاطفى حتى أطلق عليه مطرب الأغنية الشعبية ، وكان يلحن أعماله بنفسه والتى كانت أغلبها تقوم على موسيقى راقصة ، ومن تلك الأغانى الشهيرة «منديلى الحلو»، « ياتاكسى الغرام « ، « شباك حبيبى « ، « كعبه محني»، « لمين هواك» ، « خد الجميل» ، « كان على عيني»،» وحياة محبتك» ، « ادلع يا قمر»، « كان مالك بس ومالي»،» هاتوا الحمام» ، «يا مزيكا» ، « جت من الغريب» ، « مرحب شهر الصوم مرحب « .
كما قدم العديد من أغانى الأفراح منها «يا نجف بنور يا سيد العرسان» ، « شربات العيلة» ، ومن أغنياته عن الورود « يا مزوق يا ورد فى عود» ، « ورد وفل وياسمين»، وأغنيات عديدة من الشارع المصرى الأصيل قدمها على لسان «البياعين» كأغنية «روبابيكيا» ، «مكاحل مكاحل» ، «حب العزيز الربع بقرش» ، « يا نواعم يا تفاح» ، كما غنى من ألحان محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ، والموسيقار رياض السنباطى الذى لحن لأغنية وحيدة له «هوه اليتيم يازمان « ، ولم تتوقف ألحان عبدالعزيز محمود على أعماله الخاصة ، بل إمتدت لزملائه من المطربين والمطربات بينهم شادية وفايزة أحمد وهدى سلطان ، وكارم محمود وشفيق جلال .
ولأن عبدالعزيز محمود من الطبقة الشعبية ، كان من الطبيعى أن يقدم أغانى خصيصاً لأصحاب البشرة السمراء وأشهرها أغنية «اسمر وجميل»، «دارى جمالك يا سمرا» ، «اسمر يا جميل يا بو الخلاخيل» ، كما قدم عدد قليل من الأغانى الوطنية قياسا بغيره من الفنانين التى كانت لهم مساهمات عديدة فى الأعمال الوطنية ، منها «الوحدة باقية» ، «مصر الفلاحة»، «فجر جديد»،»عيد الجلاء» اما فى مجال الأغنية الدينية فكانت أشهر أعماله الدينية على الإطلاق «مرحب شهر الصوم « التى أصبحت إبذانا بحلول شهر رمضان وبدء الصيام ، ومما ساعده على النجاح انه تغنى بكلمات اشهر كتاب الأغانى فى الاربعينات والخمسينات فى ذلك الوقت على رأسهم الشاعر الغنائى فتحى قوره ، والشاعر مرسى جميل عزيز ، وبالطبع أبو السعود الأبيارى أيضاً ، إلى جانب قدرات وجمال صوته وعذوبته.
مطرب الإعلانات
واشتهر عبدالعزيز محمود أيضاً بتقديم أغانى الإعلانات التليفزيونية خاصة فى فترة الستينات ، والتى كانت تذاع فى التليفزيون المصرى بسنواته الأولى من إرساله ، حيث لحن وغنى أغان مدتها أقل من دقيقة للترويج لبعض المنتجات منها إعلانات دفاتر التوفير ، وإعلان أنا الميلامين أنا جامد ومتين، إلى جانب أشهر إعلان فى الشاشة الصغيرة والذى ما زلنا نردده عن الست سنية والحنفية وكلماته : ست سنية سايبة المية ترخ ترخ من الحنفية .. حرام ياست سنية .. علشان جلدة بقرشين صاغ مصالحووهاش بقالهم زمان « وإلى أخر كلماتها التى تعود بنا للزمن الجميل لأغانى الإعلانات الطريفة فى ذلك الزمن .
كان الفنان عبدالعزيز محمود هو المطرب الأعلى والاغلى اجرا ، والأغنى ماديا بين أبناء جيله فى مرحلة الأربعينات والخمسينات ، إلا انه فى اواخر سنوات حياته – فترة الثمانينات – تبدل الحال، وتجاهلته وسائل الإعلام وإهتمت بالاجيال والنجوم الجديدة ، وتناسوا أعماله وانجازاته الفنية والغنائية ، مما ادخله فى حالة من العزلة والإكتئاب ، وغاب عنه معظم الأصدقاء من اهل الفن خاصة بعد رحيل عدد كبير منهم ، فلم يجد المنتجون والمخرجون ومؤلفو ألاغانى الذين كانوا يتسابقون لإبرام العقود معه ، مما زاده حزناً على حال الدنيا عندما تتغير ، وظل منزوى مع نفسه إلا مرات قليلة تمكن من المشاركة فى الحفلات التليفزيونية ، وفى 26 أغسطس عام 1991 يصاب عبدالعزيز محمود بأزمة قلبية أدت إلى وفاته عن عمر 80 عاماً ، واليوم الإثنين يمر على رحيله 33 عاماً .