فى الوقت الذى تلبدت فيه سماء المجتمع الدولى بغيوم المعايير المزدوجة وضبابية الكيل بمكيالين ومحاباة الجانب الاسرائيلى فى حربه على غزة.. كانت المواقف العادلة والمنصفة والشجاعة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بمثابة الشمس التى بددت كل الغيوم السوداء.. وكانت صيحة الضمير الانسانى الذى ينبض عدلا وينطق صدقا ويقر حقا.
ومنذ بداية الحرب الاسرائيلية على غزة.. قبل سبعة أشهر ومع الارهاصات الأولى للانتهاكات الاسرائيلية ضد المدنيين كانت وقفة جوتيريش الشجاعة كاشفة وفاضحة تجاوز القوات الاسرائيلية للخطوط الحمراء.. وكسر كل القواعد الانسانية والقوانين الدولية.. وكان حاسما فى إعلان رأيه بكل وضوح.. ومنبها للنصوص الدولية التى تكفل الحماية للمدنيين.. ومسئولية دولة الاحتلال عن أمنهم وسلامتهم.. وطالب المجتمع الدولى بإلزام الجانب الاسرائيلى بالمواثيق الدولية والأعراف الانسانية وتجسدت مواقف العدل والحق والانصاف من الأمين العام نحو الشعب الفلسطينى فى مطالبته فى كل المحافل الاقليمية والدولية بوقف اطلاق النار وضرورة تكاتف المجتمع الدولى لإنفاذ المساعدات بصورة مستمرة وكافية وحماية المدنيين وإعمال القوانين الدولية لوقف الانتهاكات الاسرائيلية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى موجها حديثه فى رسالة انسانية لأبناء غزة قائلاً: «لستم وحدكم» ومؤكدا دعم المنظمة الدولية لحقوق الشعب الفلسطينى قائلاً أيضاً: لن نستسلم من أجل مساعدة غزة التى تعيش كابوسا لا ينتهي.. إلى جانب زيارته أكثر من مرة معبر رفح ومطار العريش ومستشفى العريش وزيارة المصابين والشد من أزرهم فى مشاهد تجسد أسمى معانى الانسانية والوقوف بجانب الحق للأمين العام.
مواقف جوتيريش الانسانية عديدة التى ستقف شاهدة على نبل هذا الرجل ونزاهته وانتصاره للحق والانسانية وقوفه فى جلسة لمجلس الأمن متسلحا بالحق والعدل منددا بالانتهاكات الاسرائيلية لكل الأعراف الانسانية والقانونية.. قائلاً: انه وفقا للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة فمن حق الأمين العام للأمم المتحدة أن يلفت انتباه مجلس الأمن الدولى لأية قضية يعتقد انها يمكن أن تهدد الأمن والسلم العالميين فى إشارة إلى الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة فى حربها على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.. وحذر فى رسالة إلى رئيس مجلس الأمن فى السادس من ديسمبر 2023 من ان النظام العام فى غزة على وشك الانهيار ولافتا إلى أن أكثر من 80 ٪ من سكان القطاع نزحوا قسرا وقهرا إلى بقاع يظنون انها أكثر أمنا من مقرهم فإذا بغارات الاحتلال تتبعهم ويسقط آلاف المدنيين ضحايا الانتهاكات اللا إنسانية.
ان المواقف الانسانية والقانونية للأمين العام للأمم المتحدة من الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطينى تجسد الانحياز للحقوق المشروعة لأبناء فلسطين.. وانتصارا للإنسانية فى أسمى صورها.. فقد تعامل مع مأساة قطاع غزة من منظور انسانى عادل أكثر من كونه مسئولاً بمنظمة دولية فى مجتمع دولى ينحاز بصورة جلية مع الجانب الاسرائيلى ومنذ بداية الأزمة الاسرائيلية – الفلسطينية والتى تجاوزت الشهر السابع وجوتيريش يدق نواقيس الخطر محذرا من انتهاك اسرائيل لكل الأعراف الانسانية والقانونية.. ففى 20 أكتوبر 2023 بعد اسبوعين من بداية الأزمة عقد مؤتمرا صحفيا عالميا أمام معبر رفح وحذر فيه من مخاطر سياسة العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى وقال عبارته الشهيرة «انه لا يجب أن يعاقب المدنيون فى غزة مرتين.. الأولى بسبب الحرب والثانية بسبب فقدان الغذاء والدواء.. ومنع المساعدات الاغاثية عن أكثر من 2.4 مليون انسان يعانون الحصار والتدمير فى قطاع غزة».
وفى قمة السلام التى دعت إليه مصر فى 21 أكتوبر 2023 دعا بأعلى صوت إلى ضرورة ضمان وصول المساعدات الاغاثية بصورة آمنة للمحاصرين المدنيين.. وحذر من مخاطر اتساع الصراع وناشد مختلف الدول ضرورة التحرك الفورى لوقف اطلاق النار لأغراض انسانية.. مشيرا إلى أن هجوم الفصائل الفلسطينية فى السابع من أكتوبر ليس مبررا لتعرض الشعب الفلسطينى للعقاب الجماعى وشدد على ضرورة الامتثال للقانون الدولى الانسانى واتفاقيات جنيف التى تقر بحماية المدنيين ومنع الهجوم على المستشفيات والمدارس والمنشآت العامة فى اشارة لأضرار منشآت الأمم المتحدة من الغارات الاسرائيلية.. وقال بالحرف «لقد حان الوقت للعمل على انهاء هذا الكابوس المروع الذى يعيشه قطاع غزة».
ومن منطلق منصبه الرفيع ومسئوليته الدولية ناشد العالم بالعمل والتكاتف من أجل بناء مستقبل يليق بأحلام أطفال فلسطين واسرائيل والمنطقة والعالم أجمع.
أنطونيو جوتيريش جسد بجلاء الضمير الانسانى الذى لا يعرف الهوى ولا الكيل بمكيالين ولا المواقف الرمادية أو الأبواب المواربة.. وانما كانت مواقفه العادلة والمنصفة للحق الفلسطيني.. فقد أضاف لمنصب الأمين العام المسئولية الانسانية قبل القانونية.. فهو بحق الأمين العادل والانسان المنصف.. يحمل بين جنباته ضميرا لا يحيد عن الحق وقلبا ينبض عدلا ويفيض حقا وينطق صدقا.. لا يخشى فى الحق لومة لائم ولم يتراجع قيد انملة عن مواقفه الشجاعة المنصفة للحق الفلسطينى رغم التهديدات الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة له.
وبالأمس وقف جوتيريش بشجاعة أمام وسائل الاعلام العالمية يدين مجددا الانتهاكات الاسرائيلية ويدين بقوة هجوم القوات الاسرائيلية على مقر «الأونروا» فى القدس الشرقية ومحذرا من أن أى هجوم برى على رفح الفلسطينية سيؤدى إلى كارثة انسانية.
لقد أعاد البرتغالى جوتيريش للأذهان الموقف الشجاع للأمين العام الأسبق د. بطرس غالى الذى فضح الانتهاكات الاسرائيلية فى مذبحة «قانا» فى 18 ابريل 1996 ونشر نتائج التحقيقات التى فضحت تعمد الهجوم والمذابح اللاانسانية.
انها مواقف شجاعة وانسانية ستظل محفورة فى ذاكرة التاريخ بحروف من ذهب.