منذ أسابيع أقام محبو الفن فى مصر ضجة معبرين عن فرحة كبيرة لفوز ثلاثة من العاملين بالفن، السينما والتليفزيون تحديداً، بجوائز الدولة، وكان أولهم هو المخرج محمد فاضل الذى حصل على جائزة النيل للإبداع فى مجال الفنون، وهى واحدة من أهم جوائز الدولة فى مصر، بينما حصل كل من مهندس الديكور أنسى أبوسيف، ومدير التصويرالفنان سعيد شيمى على جائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون، وهى جوائز مهمة تضيف لمسيرة هؤلاء المبدعين الكبار فى فن يعبر عن الحياة من خلال الصورة وبلاغتها وقدرتها على توصيل كل الأفكار والرؤى وحتى الأحلام إلينا كمشاهدين،.. «ومن الجدير بالذكر هنا ان جوائز الدولة، فى مجالات أخري، ذهبت إلى مبدعين آخرين لهم علاقة وطيدة بالفن كجائزة الدولة للتفوق فى الفنون للدكتور وليد سيف الكاتب والناقد السينمائي، وجائزة الدولة فى الآداب للكاتب الدرامى والسينمائى عبدالرحيم كمال».
من «ناس القاهرة» إلى «تماسيح الإسكندرية»
ولد محمد فاضل بالقاهرة، ولكنه كان موعوداً بمحبة الفن التى دفعته وهو طالب بكلية الزراعة إلى القاهرة، وإلى التليفزيون، ليتعرف على العمل فيه وعلى المخرجين فى الجهاز الجديد، ومع نور الدمرداش يبدأ العمل مساعدا، وبعدها يبدأ فى التعبير عن وجهة نظر مختلفة فى العمل الدرامي، وهى أهمية ان يعبر عن الشوارع والناس والحياة بكل أشكالها ومن هنا جاءته الفرصة ليقدم هذا من خلال معرفته بكتاب لهم نفس الآراء فقدم مع الكاتبين «عاصم توفيق « و»مصطفى كامل «اولى مسلسلاته «القاهرة والناس « والتى عرضت أولى حلقاتها بعد نكسة يونيو 1967 بشهور قليلة، وبعد ان اتفق فاضل مع المؤلفين على تعديل الكتابة فى سياق يشبه تحليل اسباب النكسة، وفي هذا المسلسل اكتشف فاضل ممثلين جدداً وقدمهم لأول مرة مثل نور الشريف، وأشرف عبدالغفور وبوسي، وبدأ العرض فى أكتوبر بحلقة أسبوعياً وتعاد مرة أخري، وكانوا يجتمعون كل أسبوعين لاختيار موضوع جديد يعبر عن قضية تشغل المجتمع، فقدموا حلقة عن الانتخابات بعنوان «صوتك أغلى من الدهب «، وحلقة بعنوان «كفر الغلابة» عن الام الفلاحين، وحلقة «أغنية للوطن «عن التكاتف بعد النكسة ومن المهم هنا ان هذه الحلقات لم تكن تعرض على الرقابة وإنما تذهب لمراقبة النصوص لتسجيلها بموافية مرايب عام الدراما المخرج ابراهيم الصحن، ولمدة ثلاث سنوات استمرت حلقات «القاهرة والناس»، وتوقفت عام 1970 لوفاة الرئيس عبدالناصر ثم عادت عام 1971، 84 حلقة قدمها هذا العمل المهم الذى أصبح حديث الناس وقتها وبعدها انطلق محمد فاضل ليقدم «الفنان والهندسة» أول بطولة لعادل إمام عام 1969، ثم يستمر فى اكتشاف الموضوعات والنجوم فى حقبة السبعينات التى تضمنت أعملاً لا تنسى مثل الرجل والدخان، ورمضان والناس، وأحلام الفتى الطائر، وانتهت بعمل شهير هو بابا عبده أو «أبنائى الأعزاء شكراً» وفيلمان هما «شقة فى وسط البلد» و»١-صفر» لتبدأ الثمانينات بعمل مهم هو «صيام.. صيام» ثم «وقال البحر» و»أخو البنات» و»رحلة أبوالعلا البشري» لتصل لقمتها عام 1988 بمسلسل «الراية البيضا» الذى أرسل صرخة جريئة فى نهايته ضد هدم البيوت لإقامة عمارات قبيحة مع الكاتب أسامة أنور عكاشة الذى أصبح الأكثر تعاونا معه فى هذه المرحلة.
من ناصر 56.. إلى ربيع الغضب
وما زال النيل يجري.. هو العمل الأول فى التسعينيات، وهو المسلسل المصرى الوحيد الذى كتبه أسامة وأخرجه فاضل عن قضية تنظيم الاسرة بعد دراسة لكل ملامحها لمدة عامين، بعدها رأينا له الجزء الثانى «أبوالعلا 90» لفريق تمثيل بارع بقيادة محمود مرسي، ثم الفيلم المهم «ناصر 56» الذى كتبه محفوظ عبدالرحمن عن قصة تأميم قناة السويس، ثم مسلسل «الشارع الجديد» وبعده فيلم عن حياة أم كلثوم «كوكب الشرق» تأليف إبراهيم الموجي، ليبدأ مع بداية الالفية الجديدة سلسلة أعمال عن متغيرات المجتمع فى الماضى والحاضر بداية من «العائلة والناس» و»للعدالة وجوه كثيرة» حتى «السائرون نياما» و»سنوات الحب والملح «عام 2010، وفى عام 2012 يقدم «ربيع الغضب» عن أحداث 2011، ويصمت محمد فاضل عشر سنوات قبل ان يقدم مسلسل «الضاحك الباكي» عن حياة نجيب الريحاني. ولتضيف أعماله ثروة كبيرة إلى قوتنا الناعمة.
أنسى أبوسيف.. صانع نماذج الفراعنة
تخرج أنسى أبوسيف من قسم الديكور بمعهد السينما عام 1967وبعد عامين فقط يدر له ان يعمل مع شادى عبدالسلام فى فيلمه الأشهر «المومياء» حين كلفه بعمل النماذج المطابقة للتوابيت الفرعونية التى اكتشفت عام ١٨٨١، وفعلها مهندس الديكور الجديد لينطلق بعدها لتصميم ديكورات قرية ريفية لفيلم «يوميات نائب فى الأرياف» للمخرج توفيق صالح، ثم تزداد الانطلاقة حين يكتشف مخرجون كبار مدى براعته فى التعبير عن المكان والزمان والشخصيات فيقدم على مدى خمسين عاماً تصميمات لملابس أربعة أفلام هى السادات -عرق البلح- القادسية- وفجر الإسلام اما الديكور بكل ما يعنيه من ملامح تحتضن القصة والشخصيات فقد قدمها ابوسيف فى خمسين فيلما، بينها أفلام عديدة للمخرج داود عبدالسيد «الصعاليك، الكيت كات، أرض الأحلام، سارق الفرح، أرض الخوف، رسائل البحر، قدرات غير عادية» ومع يوسف شاهين قدم «الوداع يا بونابرت.، وإسكندرية كمان وكمان» ومع محمد خان قدم «عودة مواطن، وأحلام هند وكاميليا، وزوجة رجل مهم، ويوم مر يوم حلو مع خيرى بشارة، وأفلام غيرها أصبحت ديكوراته فيها جزءاً مهماً من اهميتها.
بين الصورة.. والكتابة
بعد ثلاث سنوات فى كلية الآداب، ترك سعيد شيمى الكلية ليذهب إلى معهد السينما، وليتخرج عام 1971، وفى اثناء هذا يدرس بالمراسلة أيضاً فى مدرسة السينما الجديدة الأمريكية، ثم يبدأ عمله بتصوير أفلام تسجيلية لجمعية الفيلم وغيرها قبل ان ينطلق للعمل الاحترافى بفيلم «ضربة شمس» أول أفلام صديقيه الكاتب فايز غالى والمخرج محمد خان عام 1980، وفى الفيلم يقدم وجها جديداً للسينما المصرية من خلال احداث تدور فى الشوارع المفتوحة، وبعدها ينطلق إلى أفلام أغلب مخرجيها من الاجيال الجديدة فيقدم معهم «الشيطان يعظ» و»طائر على الطريق» و»سواق الاتوبيس» و»العار»، ويتعلم التصوير تحت الماء ليقدم فيلم «جحيم تحت الماء «فى نهاية الثمانينيات، والذى ساهم فى قيامه بإخراج مشاهد مهمة من فيلم «الطريق إلى إيلات «فى عام 1993، وهو الفيلم الذى قدم فكرته إلى ممدوح الليثى رئيس قطاع الإنتاج وقتها بعد معرفته ببطولات القوات البحرية تجاه محاولات إسرائيل للاقتراب من السواحل المصرية، وهكذا قام بتصوير الفيلم الذى كتبه فايز غالى وأخرجته انعام محمد على فى المرة الأولى لمخرجة مصرية وإخراج فيلم حربي، بعدها قدم أفلاماً أخرى مهمة مثل «البرئ «للمخرج عاطف الطيب الذى قام بتصوير أعمال أخرى له مثل «الحب فوق هضبة الهرم» و»ضد الحكومة» وغيرها.. ومن المهم فى مسيرة سعيد شيمى قدرته على التعبير عن كل ما يقدمه من خلال الكاميرا بالكتابة أيضاً، وشغفه بهذا.
سينما آخر شقاوة
الكتابة عن تجربته كمصور منذ البداية كانت تجربة مهمة فى حياة المصور السينمائي الكبير، بدأها عبر كتاب بعنوان «حكايات مصور سينما» فى منتصف التسعينيات، واعطى لهذه الحكايات مساحات أخرى عبر جزئين إضافيين ليصيح الكتاب ثلاثة اجزاء، بعدها انطلق ليكتب عن تجربة فريدة تخصه كمصور سينمائى تحت الماء، وكتاب عن «تاريخ التصوير السينمائى فى مصر» و»الحيل السينمائية للأطفال» وأيضاً كتب عن «الخدع والمؤثرات الخاصة فى السينما «فى جزئان، و»اتجاهات الابداع فى التصوير» و»اتجاهات الابداع فى فى الصور» و»أفلامى مع عاطف الطيب» و»محسن نصر، ابداع عليون خاص» و»سينما آخر شقاوة» ثلاثين كتابا قدمها سعيد شيمى عن السينما وعناصرها بداية من التصوير وإبداعاته جعلت من هذه الكتب مرجعا مهما لكل محبى السينما من كافة الأجيال وهو ما يعتز به فناننا الكبير بشدة لادراكه ان رسالته وصلت وسوف تصل إلى كل محبى الفن من خلال الصورة، ثم الكتاب. لقد كرمت جوائز الدولة هؤلاء المبدعين الكبار والفن والثقافة المصرية أيضاً.