قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومى الأمريكى إن إسرائيل تحقق انتصارات تكتيكية لكن النصر الحقيقى أن تتحول إلى انتصارات استراتيجية، والحقيقة أن هذا التوصيف يشخص حالة نتنياهو الذى بات يحارب طواحين الهواء.. فما لبث أن يفتح جبهة جديدة للإجرام والعدوان.. لا يستطيع إغلاق أو تحقيق الحسم على هذه الجبهة، وتبقى مصدر تهديد لا يتوقف، وأصبح محاصراً من العديد من الاتجاهات والجبهات سواء إيران، أو اليمن، أو لبنان، أو العراق، ومازالت المقاومة الفلسطينية توجه ضرباتها الموجعة وإن قلت أو تراجعت وتيرتها إلا أنها باتت نوعية، ومازالت عمليات استهداف العمق الإسرائيلى من المقاومة سواء بعمليات مسلحة فى الداخل الإسرائيلي، أو بصواريخ المقاومة التى مازالت تصل وتستهدف العمق الإسرائيلي.
السياسى والدبلوماسى الأمريكى دينيس روس قال إن إسرائيل تُستدرج لحرب استنزاف خطيرة، لذلك أقول إن ما يحققه نتنياهو مجرد فقاعات ربما لا يدرك خطورة التصعيد، وحساباته وتقديراته.. تسودها جنون الغطرسة والغرور، ويستدرج إلى استنزاف يأتيه من كل اتجاه قد تسفر إلى خضوع لمطالب هذه الجبهات.. فهو أمام هزيمة استراتيجية بكل المقاييس فى ظل عدم قدرته على الحسم وتحقيق الأهداف التى أعلنها على مدار عام كامل دون جدوي.
نتنياهو حدد أهداف عدوانه الوحشى على قطاع غزة بالقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية، وتدمير قدراتها وإطلاق سراح الرهائن والأسرى لدى المقاومة وكذلك السيطرة على قطاع غزة، ولكن لم يتحقق لرئيس الوزراء المتطرف أى هدف.. فمازالت المقاومة تضرب بقوة فى عمليات ممنهجة، وتطلق الصواريخ إلى تل أبيب والمستوطنات الإسرائيلية، ولم يستطع نتنياهو إعادة المستوطنين إلى غلاف غزة رغم مرور عام على عدوانه، ولم ينجح على الإطلاق وبفشل ذريع فى تحرير الأسرى والرهائن لدى حماس، بل تسبب من خلال القصف العنيف فى استعادة جثثهم، وقتل العديد منهم.
ولعل ما قاله المتحدث العسكرى لجيش الاحتلال إن فكرة القضاء على المقاومة أو حماس غير ممكنة لأنها فكرة تسكن فى عقول أعضاء الحركة، وهو ما يدحض ما أعلنه نتنياهو، والذى باتت غزة رغم خسائر القطاع الكارثية، سواء فى أعداد الشهداء الذى اقترب من 42 ألف شهيد، ثلثهم من النساء والأطفال، و100 ألف مصاب وتدمير كامل للبنية الأساسية والتحتية فى غزة من مستشفيات ومدارس ومحطات مياه وكهرباء، وتجويع وحصار فى حرب إبادة متكاملة، ورغم ذلك مازال نتنياهو وجيش الاحتلال ينزف.
مستنقع الاستنزاف الذى بات واضحاً غرق إسرائيل فيه.. فقد خرج نتنياهو يعلن أنه سيعيد المستوطنين فى جبهة الشمال مع لبنان إلى مساكنهم ونجح فى اغتيال كامل قادة حزب الله بدءاً من أمينه العام، حسن نصر الله، وحتى نائبه.. ثم قادته العسكريين من الجيلين الأول والثاني، وأحدث إرباكاً واختراقاً عميقاً فى صفوف حزب الله وتدميراً شاملاً للضاحية الجنوبية معقل الحزب وإحداث خسائر باهظة فى صفوف الحزب ومقاتليه، لكن السؤال: هل نجح نتنياهو فى إعادة المستوطنين إلى المستعمرات المحتلة فى الشمال، وهل قضى على كامل قدرات حزب الله؟ الإجابة: لم يحدث ولن يحدث.. فقد فتح نتنياهو جبهة جديدة ومشتعلة.. فمازال حزب الله يضرب فى الكثير من مناطق إسرائيل خاصة حيفا وتل أبيب بالصواريخ، ومازالت لديه قدرات صاروخية، يواصل بها قصف العمق الإسرائيلي.. بل إن لديه صواريخ أكثر خطورة، تحدد إيران توقيت استخدامها.. يقولون إن استخدامها لن يكون دفاعاً عن لبنان ولكن دفاعاً عن إيران والحرس الثورى الإيراني، وخسائر إسرائيل فى المعارك البرية فى الجنوب اللبنانى محفوفة بالمخاطر والخسائر، رغم أنها مازالت محدودة.. لكن إسرائيل تخفى خسائرها، وتقول إن 12 ضابطاً وجندياً قتلوا على جبهة الشمال.
هنا أقول إن معارك الجبهة الجنوبية لن تنتهى وفقاً لتقديرات نتنياهو، بل فتح جرحاً سوف يؤلم إسرائيل ولن يعيد مستوطنيه إلى الشمال وهنا نحن أمام إخفاق جديد متوقع فى ظل استمرار عمل المنظومة الصاروخية لحزب الله، وأيضاً قواته البرية أو من قوات الرضوان أو وصول قوات أخرى مناصرة لحزب الله من جبهات أخرى فالمعركة لن تنتهي، وأهداف نتنياهو لن تتحقق.
أيضاً الجبهة اليمنية، مازالت تستهدف العمق الإسرائيلى بصواريخ باليستية فرط صوتية نختلف أو نتفق مع جدواها.. إلا أنها وصلت للعمق الإسرائيلى وأحدثت خسائر، وكذلك من العراق تنطلق مسيرات، تستهدف العمق الإسرائيلى ونجحت فى قتل جنديين وإصابة الكثير منهم.
مازال العالم فى انتظار الرد والهجوم الإسرائيلى على إيران رداً على هجوم إيران بالصواريخ فى العمق الإسرائيلى ومن الواضح أن هناك خلافاً بين واشنطن وتل أبيب حول طبيعة وحجم وأهداف هذا الرد خاصة فيما يتعلق بالمنشآت النووية أو النفطية أو خشية تكرار الرد الإيراني، الذى قال مسئولون فى طهران إنه سيكون الأعنف، ويستهدف أهدافاً فى العمق الإسرائيلي، ومن الواضح أن واشنطن أبلغت تل أبيب خطورة الهجوم على إيران فى ظل استعدادات وحجم الرد الإيراني، لذلك قد تكون هذه الأسباب وراء تأجيل أو إلغاء الهجوم الإسرائيلي، لكنها جبهة مفتوحة قد يتورط فيها نتنياهو بحماقاته، واندفاعه وجنون القوة غير المحسوبة.
الاستنزاف يحاصر إسرائيل من كل جانب سواء خسائر الضربات الصاروخية أو بالمسيرات أو عمليات المقاومة الفلسطينية وبالتالى سقوط قتلى وجرحي، ودمار فى المنشآت، وتهجير للمستوطنين وحالة عدم استقرار واطمئنان لدى الإسرائيليين.
وكشفت الإحصائيات أن 61 ٪ من الإسرائيليين لا يشعرون بالأمن فى إسرائيل، وأن هناك 41 ٪ يرغبون فى الهجرة من إسرائيل بعد أن وصلت أعداد المهاجرين من إسرائيل إلى دول أخرى سواء الولايات المتحدة أو أوروبا إلى مئات الآلاف.
نتنياهو يقود إسرائيل لأخطر حرب لاستنزافها على كافة الأصعدة، ويكشف عنها غطاء القوة المزيف، فخسائرها شاملة على كافة المسارات، وهنا أتوقف عند حجم الخسائر التى تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلى وتصنيفات المنظمات الاقتصادية العالمية، وفى ظل تجمد الإنتاج والاقتصاد وهروب السياحة والاستثمار، وارتفاع فاتورة تحمل تكلفة المهجرين من كل صوب وحدب فى إسرائيل، وأيضاً عدم الشعور بالأمن، وخسائر إسرائيل تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات ولولا الدعم الأمريكي، وإمداده بالمحاليل المالية والاقتصادية والعسكرية لانهارت إسرائيل، وآخر حزم المساعدات الأمريكية 8.7 مليار دولار فى حين دفعت أمريكا 157 مليون دولار لدعم العمل الإنسانى فى لبنان بعد الدمار والنزوح وأيضاً الدعم العسكرى بمختلف أنواع السلاح الفتاك.
نتنياهو لم ولن يحقق الأهداف التى أعلنها ولن يعيد الأسري، ولن يعيد سكان الشمال إلى المستعمرات المحتلة، ولن يقضى على المقاومة فى مختلف الجبهات وسوف يظل الإسرائيليون بعيدين تماماً عن الأمان والأمن، لذلك فإن رئيس الوزراء المتطرف يغرق فى استنزاف دولة الاحتلال ويدخل فى نفق هزيمة استراتيجية، فالقتل والقصف لن يوفر له الأمن، فى ظل انفراده مع المتطرفين فى حكومته بالقرار والتصعيد، ويرفض الاستماع لأى رأى آخر يجنب دولة الكيان الصهيونى فتح جبهات دون حسم، ليصاب بالكثير من الخسائر والاستنزاف، ولن يستطيع الحسم فى غزة أو لبنان أو إيران أو اليمن.. بل يزيد النزيف الإسرائيلي.
تصعيد نتنياهو تسبب فى غياب الحياة عن الكيان الذى انعدمت فيه أى ملامح للأمن والأمان، ويتراجع فيه الاقتصاد، حتى الدراسة أو المدارس تجرى بأسلوب التعليم عن بُعد، فالنزيف فى إسرائيل يتواصل، والطريق إلى الانهيار أمر وارد إذا استمر جنون نتنياهو.. وإذا انقطع دعم أمريكا.