أواصل مسيرتى مع صاحبة الجلالة داخل جريدتى التى كان لها كل الفضل فى صقل موهبتى التى عشقتها وأنا فى الجامعة التى ساهمت فى تشكيل وعيى السياسى وزادت من معرفتى واتساع أفقى بفضل الأبحاث التى كان أساتذتى يطلبونها منى كأى طالب جامعي.. الأمر الذى معه ازداد شوقى لتحقيق حلم الصحافة.. وتوفر ذلك لى عندما علمت بإصدار جريدة صوت الجامعة.. بادرت بكتابة مقال سياسى لى وذلك لأول مرة فى حياتى عن اجتياح إسرائيل للبنان ومن قبله مقال اجتماعى عن الشأن الطلابى وآخر عن الأحزاب كمنابر سياسية يجب على كل طالب الانتماء لأحدها بما يتسق مع ميوله السياسية ولشدة عشقى للقيام بدور الصحفى سافرنا إلى الاسكندرية لمقابلة الفنان سيف الدين وانلى رائد السيرالية فى مصر وهو يقطن فى شقة بالطابق الأول بمنطقة الرمل.. وأجريت معه حديثا عن لوحاته الإبداعية التى احتلت جدران الشقة بالكامل ورحلته مع الفن ولماذا التركيز على السيرالية المعقدة وكان معى فى اللقاء شقيقى الكبير عادل خريج كلية الفنون الجميلة كى يساعدنى فى كيفية التحاور مع هذه الهامة الكبيرة والذى لا يقل قامة عن رائد السيرالية السلفادور دالى الاسبانى وقمت كذلك بعمل حديث مع الكاتب الصحفى الكبير فى الأخبار محمد زكى عبدالقادر.. وكنت أقوم بنشر تلك اللقاءات فى لوحة جدارية بالكلية كانت مخصصة لأنشطة الطلاب الفكرية والعلمية.
وصار الأمل يراودنى حتى اتيحت لى الفرصة بجريدة الجمهورية فتعلمت الكثير والكثير عن مهنة بالفعل هى «مهنة المتاعب» ورغم ذلك فهى صراحة غابة من المتعة لأنها تطلعك على كل فنون الكتابة والحوار والمتابعة لكل ما يجرى حولك لذا كان نصب عينى على التنوع داخل الأقسام بالجريدة لمزيد من المعروفة فى كتيبة الحصول على الخبر وكتابته فالكتابة للحوادث تختلف عن الأخبار فى الصياغة ولمزيد من المهنية كان يستوجب على العمل فى الدسك المركزى حيث شيوخ المهنة وأصحاب الخبرة وشجعنى على ذلك استاذى ومعلمى الأستاذ ناجى قمحة الذى طلب منى السهر مع نائب رئيس التحرير المناوب فى الطبعة الثالثة الأمر الذى أضاف لى خبرة أكبر فى كيفية متابعة «التيكرز» ووكالات الأنباء المختلفة وأن أقوم بتنسيقها ووضع الأهم فيها أمام الزميل السهران ولا أنسى كيف كان الاستاذ ناجى يقول لى الخبر الذى تكتبه لابد أن تقوم بقراءته بعد عمل الدسك له كى تتعلم وبالفعل استفدت منه كثيراً ولم يكن كلامه لى وحدى وإنما لأى زميل حتى لأى سكرتير تحرير كان يقول له اقرأ الأخبار جيداً تستطيع إخراج صفحة فالإخراج ليس مجرد رص للأخبار بدون روح وكى لا تكون مجرد قص ولزق.
أتذكر أننى فى بداية عملى بالجريدة.. فوجئت مساء قبيل مثول الجريدة للطبع بمظاهرات حاشدة أمام المبنى القديم.. وعندما سألت قيل لى أنهم «بتوع الكورة» أى الأهلاوية الذين يشجعون جاءوا كى يسبوا الزميل محمود معروف الزملكاوى لأنه يمجد فى الزمالك ويقلل من شأن الأهلى فى جميع مبارياته.. وكى يتم تهدئة تلك الحشود الغاضبة تم أخذ بضعة من النسخ «الدشت» من المطبعة وإلقائها من شرفة الجريدة كى يطمئنوا بأن الزميل محمود معروف وهو من أشهر الصحفيين الرياضيين فى مصر لم يجامل الزمالك على حساب الأهلى بعد مباراة بينهما ولم يكن معروف وحده معروفاً أو مشهوراً فهناك أساتذة أفاضل أمثال صلاح درويش رحمه الله فى قسم الفن وكم من الفنانيين كانوا يأتون للقائه وكانوا يتمنون أن يكتب عنهم أو يرفع قلمه عنهم ولم أنس الراحلة هدى توفيق التى كنت مطالباً كل ليلية تقريباً بالاتصال بها فى واشنطن لتملى على الأخبار السياسية الدولية ولم أنس كذلك الأستاذ كامل زهيرى رحمه الله عندما كان يملى على مقاله «من ثقب الباب» كل مساء تقريباً.
ومازلت أتذكر من شريط الذكريات المتعددة الزملاء بقسم الحوادث إبراهيم أبو كيله وحسن الشايب ومحمد منازع عندما كنا بعد تغطية أحداث حريق كبير نذهب سوياً إلى شقتى بالعباسية بعد منتصف الليل ونقوم بشراء وإعداد الطعام لأنفسنا ونسهر حتى قبيل الفجر وبعدها نذهب إلى الجريدة صباحاً بحيوية ونشاط لأننا كنا نحب الصحافة ونحب جريدتنا الموقرة ولم نكن وحدنا بل كان الكثير يحذو حذونا فى العطاء مما جعلها فى مصاف الصحف وأكثر تميزاً فى الحوادث والرياضة بالذات.. وبمناسبة الانفرادات أذكر منها ما كتبته عن بقايا الاسباط اخوة سيدنا يوسف فى مشرحة مستشفى قصر العينى وكذلك الملك شاشانق والتى علمت عنها صدفة من دكتور صديقى مولع بالآثار بكلية الطب اسمه حسن ثابت والذى له مؤلف عن فرعون موسى من جزأين وكان الخبر حديث المجتمع وقتها.
الحقيقة.. الجمهورية جريدة رائعة ليس لأنى من المنتسبين إليها وإنما لأنها جريدة تناسب كافة الأذواق والأعمار فهى جريدة شبابية شعبية خفيفة الوجبات.. والكل بداخلها يعمل كخلية نحل وبروح الفريق والمقاتل الكل يتسابق ويجزى العطاء ومازال لها قراء ومتابعون رغم ضجيج الصحافة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى والتى لم ولن تطغى عليها أو تنافسها لأن الصحافة الورقية لها بريقها ورونقها ورائحتها وستظل وثيقة مكتوبة محفوظة أبد الدهر.. شكراً لجمهوريتى التى أيقظت ذاكرتى وأعادتنى إلى زمن جميل فات.. وتحية لكل الزملاء فى المهنة وألف رحمة على الزملاء الذين غيبهم الموت عنا.