أخذت أقلب صفحات الصحف العربية والعالمية فى شغف، لم تستوقفنى كثيراً أخبار المجاعات والزلازل والبراكين والحروب والصراعات السياسية والاقتصادية، لم اهتم بالأمراض الجديدة والمتجددة التى تفتك بالبشر وتستعصى على العلاج ولا تكاد أخبارها تغيب عنا أو تحرمنا ولو إلى حين من طلتها غير البهية، كنت ابحث عما هو أهم من كل ذلك بكثير.
مشكلتى أننى أتأثر جدا بالقصص الإنسانية، وأننى مازلت حتى الآن لا أتحمل مشاهد الدم والعنف والموت فى نشرات الأخبار لدرجة أننى لم أكمل أى نشرة إخبارية مصورة حتى نهايتها منذ سنوات، فقلبى لم يعد يحتمل، والسن له أحكام وينابيع الدموع أوشكت على الجفاف واللياقة العاطفية لم تعد تستجب للمنشطات المحظورة أو المسموحة، مشكلتى أننى مازلت افقد بعضا من رصيدى الاستراتيجى من الدموع عند مشاهدة الطفلة المعجزة سابقا «فيروز» وهى تبكى أمام مديحة يسرى قائلة جملتها الشهيرة فى أحد أفلام الزمن الفنى الجميل «أنت ماما وأنت بابا»، وتتملكنى مشاعر الغيظ عندما أجد من حولى يضحكون على المشهد الذى أصبح كوميديا فى زمن العولمة بعد أن كان مأساويا فى زمن المشاعر النبيلة.
أخذت أقلب الصحف العربية والعالمية بحثا عن آخر أخبار «تيرتو».. انطلاقا من رهافة حسى ومشاعرى النبيلة،، كنت أريد الاطمئنان على صحتها وسلامتها، كنت فى حاجة إلى أى خبر يؤكد اجتيازها لمحنتها الصحية الصعبة والتى دفعت الأطباء والعلماء إلى استخدام أساليب علاجية غير تقليدية لتخفيف آلامها وتقليل معاناتها، فتيرتو المسكينة تعانى من أزمة نفسية جعلتها مضطربة المزاج مفتقدة لروح الدعابة غير قادرة على التواصل الاجتماعى عازفة عن تناول الطعام إلا بالقدر الذى يقيم أودها ويقيها شر الموت لا قدر الله.
تيرتو المسكينة لم تعد ترى اللون الأبيض الناصع فى حياتنا المشرقة، أصبحت ترى الوجود من خلال نظارة سوداء أو عدسات لاصقة افتراضية معتمة، وأصعب ما فى الأمر، وأكثر فصول مأساتها إيلاما أنها لم تستجب للعلاج بالمضحكات والمطمئنات والمهدئات ومضادات الاكتئاب والفصام وجنون العظمة، ولم يفلح معها التحليل النفسى ولا جلسات العلاج الجماعى أو الجمعي، ولا أساليب العلاج السيكودرامي، وأخيرا اجتمعت آراء العلماء والأطباء وخبراء النفس والاجتماع على تجربة علاج تيرتو باستخدام الإبر الصينية.
ما الذى حدث لتيرتو، هل استجابت للعلاج، هل تحسنت حالتها المزاجية، هل استعادت عافيتها العاطفية، هل خلعت النظارة السوداء، هل استردت شهيتها للطعام؟، هذا بالتحديد ما كنت ابحث عنه فى كل صحف العالم ومواقع الانترنت الإخبارية، وللأسف اصطدمت بحالة التعتيم الإعلامى الغريب على تفاصيل المستجدات الصحية والتطورات العلاجية لتيرتو، بعد أن كانت قبل أيام عروس الأخبار ونجمة الأضواء، صحيح أن ربع سكان العالم يعانون من الاكتئاب، صحيح أن نصف سكان العالم يعانون من الاضطرابات النفسية، صحيح أن من يعانون من الأمراض النفسية فى الدول الفقيرة والمتخلفة التى توصف تأدبا بالدول النامية لا يجدون العلاج، صحيح أن ملايين البشر يموتون كل يوم بسبب أمراض يسهل علاجها، لأنهم محرومون من حقهم فى الحصول على الدواء وتلقى العناية الصحية، ولكن من قال إن كل هؤلاء يستحقون بعضا مما نالته تيرتو من عناية واهتمام؟.
نسيت أن أقول لكم أن تيرتو التى أوجعت قلبى وقلوب الأطباء والعلماء وربما قلوب الملايين غيرنا، أكثر مما توجعها أنات الجوع والمرض الصادرة عن مئات الملايين من البشر، هى «سحلية» مقيمة فى إحدى حدائق الحيوان بسنغافورة.