فى عصر يهيمن فيه الإنترنت على كل تفاصيل حياتنا، يبرز «جدار الشيطان الإلكتروني» كأحد أخطر الأسلحة الرقمية التى تهدد المجتمعات والأفراد على حد سواء. هذا المصطلح يعكس الوجه المظلم للتكنولوجيا، حيث تستخدم مزارع الذباب الإلكترونى والجيوش الرقمية لتوجيه الرأى العام، وتزييف الواقع، وخلق قوة وهمية تباع وتشترى فى سوق النفوذ العالمي.
ما كان يعتقد أنه مجرد «تفاعلات» بريئة على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح اليوم سلاحًا إستراتيجيًا بيد الحكومات، الشركات، وحتى الأفراد الطامحين للسلطة أو المال. الذباب الإلكترونى ليس سوى جيوش من الحسابات الوهمية التى تدار ببرمجيات متطورة أو من قبل أفراد مأجورين، مهمتهم الترويج لأفكار محددة، تشويه سمعة الخصوم، أو تضخيم حضور قضايا أو شخصيات معينة.
تأثير هذه الجيوش الرقمية لا يقتصر على الفضاء الافتراضي، بل يمتد ليصيب عصب المجتمعات السياسية والاقتصادية. تستخدم لتزييف نتائج الانتخابات، إحداث انقسامات اجتماعية، أو حتى تغيير مسارات الأزمات الدولية.
الأخطر فى هذه الجيوش الإلكترونية هو قدرتها على العبث بعقول الناس وإقناعهم بأفكار مشوهة. الأخبار المزيفة، النظريات المضللة، والشائعات المتقنة تستخدم لخلق حالة من البلبلة والتشكيك بكل شيء. هذا العبث يشبه «الوسوسة» الرقمية التى تزرع الشك والارتياب، مما يؤدى إلى زعزعة الثقة فى المؤسسات الإعلامية والمجتمعات ذاتها.
تأثير هذا العبث يتفاقم عندما يدرك المتلاعبون أن معظم مستخدمى الإنترنت يستهلكون المعلومات بشكل سريع وسطحي.. هذه الديناميكية تجعل من السهل التأثير على الناس باستخدام روايات زائفة تكرر باستمرار، حتى تتحول إلى «حقائق» مزعومة فى أذهان الجمهور.
رغم مسئولية القوى العالمية الكبرى التى تدير هذه العمليات أو تستفيد منها، إلا أن شركات التقنية الكبرى مثل فيسبوك وتويتر تتحمل جزءا من اللوم. ورغم وعودها المتكررة بمكافحة الحسابات الوهمية وحماية النزاهة الرقمية، إلا أن الواقع يظهر قصورًا كبيرًا فى مواجهة هذه الظاهرة.
لكن المسئولية لا تقع فقط على عائق المؤسسات فالأفراد أيضا مطالبون بتطوير مهاراتهم الرقمية والوعى بآليات التضليل والقدرة على التحقق من المعلومات باتت ضرورة فى عصر لا حدود فيه للأكاذيب الرقمية.
«جدار الشيطان الإلكتروني» ليس مجرد ظاهرة رقمية إنه تهديد حقيقى يطال مستقبل المجتمعات والديمقراطية العالمية. مع استمراره، يصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف، وبين الصدق والتلاعب.
إذا لم تتخذ خطوات جادة لمواجهة هذا الخطر، فقد نجد أنفسنا فى عالم تهيمن عليه الأكاذيب، حيث يصبح الرأى العام سلعة تباع وتشتري، وتضيع فيه أصوات الحقيقة وسط ضجيج التضليل.