«حج مبرور وذنب مغفور» و»لبيك اللهم لبيك «، عبارتان تزدان بهما بيوت أهل مصر بعد أدائهم فريضة الحج، وهى رحلة العمر بالنسبة لكثير من المواطنين. والكتابة على جدران البيوت عادة ورثوها من أجدادهم الفراعنة الذين اشتهروا بتسجيل حياتهم اليومية على معابدهم ومقابرهم.. وتستحق هذه الجداريات وقفة تأمل للامكانيات الهائلة التى يمتلكها أفراد بسطاء قد لا يكونوا قد تعلموا فى المدارس أو دخلوها أصلاً.
وقد استخدم الفنان التلقائى المصرى كل ما طالته يداه من أدوات ليبدع لوحات لا مثيل لها فى البساطة والروعة والإتقان.. ترى كيف يؤدى هؤلاء الرسامون التلقائيون هذه الرسومات الجدارية ويتفننون فى إبداعها وإخراجها بهذه الكيفية التى نراها اليوم على جدران وواجهات المنازل..؟
يقول أحد الباحثين: عند اقتراب موعد السفر تطلى واجهة المنزل بالجير وتجديد «محارتها» ووضع طبقة من «الطين» أو الجبس والأسمنت عليها. وفور أن تجف يبدأ الرسم من خيال الفنان أحياناً. وأحياناً أخرى حسب رغبات أصحاب المنزل، ويتداخل خيال بعض الفنانين مع واقعية فنانين آخرين فيصنعون سوياً لوحات ذات طابع فنى شعبى غير مسبوق. وبهذا يتكون تراث شعبى ذو خلفيات تاريخية. ومن أبرز العناصر المتكررة فى كل اللوحات رسوم الكعبة الشريفة، وصور أخرى تسجل طرق الانتقال للأراضى الحجازية عبر الزمان بدءاً من ركوب الناقة والجمل مروراً بالسفينة وأخيراً الطائرة. ولا ينسى هؤلاء الفنانون أن يسجلوا فى رسومهم مظاهر الفرح التى تصاحب سفر الحاج وعودته مثل عناق الأحبة وتقديم «الشربات» عند العودة. وعلى الرغم من أن كل فنان من هؤلاء الفنانين له خطوطه وطابعه الفنى المميز، إلا أن اللوحات وجداريات الحج فى الصعيد تتشابه إلى حد كبير فى المضمون والألوان والتكنيك والتصميم فى تنفيذها وتبدو كما لو كان فنان واحد هو الذى رسمها وخطها.
إن الرسوم الجدارية التى تعبر عن موسم الحج نوع من الفنون التشكيلية الشعبية، تعكس فكر ووجدان المصريين تجاه أداء هذه الفريضة، وقد ترسخ هذا الفن فى الأعماق حتى صارت رسومه علامة من علامات احتفالية الذهاب والعودة من الأراضى المقدسة مع الأغانى والهدايا المصاحبة لهذه المناسبة الدينية.