جبر الخواطر عبادة من أهم العبادات لأنها خلق عظيم يؤكد على سمو النفس وسلامة الصدر ورجاحة العقل حيث إنها بهذه القيمة أرواح العظيمة نجبر نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت فما أجمل هذه العبادة وما أعظمها أثراً… والله سبحانه وتعالى هو الجبار الذى يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة والفشل بالتوفيق والخوف بالأمن ونجد الشرائع السماويه تحث جميعها على جبر الخواطر فما أعظمها آيات القرآن الكريم والكتاب المقدس التى تشير إلى عظمة وقيمة جبر الخواطر.
وجبر الخواطر فن جميل من فنون الحياة به ترسم بسمة على وجه موجوع وتعطى بلسم شافى لنفس مكسورة.. فجابر الخواطر مثل المياه الجملية التى تروى تائه فى الصحراء والحضن الدافئ للمجروح، فمن أفضل الخصال وأرقى الأفعال.. جبر الخواطر ومراعاة المشاعر ومواساة المنكسر فلابد أن نكون عوناً وسنداً لبعض ننصر المظلوم ونواسى المكلوم ونعطى المحروم.
جبر الخواطر هو الإحساس بآلام الناس وعدم جرح مشاعرهم والوقوف بجانبهم فى الشدائد.. وهذا سلوك يعلى من فكر الإنسان ويسمو به والكلمة الطيبة ترفعنا إلى السماء كالطيور والكلمة السيئة تدفننا فى الأرض كالموتى والناس دائماً لا تنسى من يجبر بخاطرها ولا تسامح من يكسر بخاطرها فمواقف الجبر ولحظات الانكسار لا تنسى ومواقف الخزلان والإهانة وقت الأزمات لا تنسى فكلاهما فى الذاكرة والتاريخ.
فما أجمل أن تقصد الشراء من بائع متجول فى حر الشمس يضطر للسير على قدميه بحثاً عن رزقه مساعدة له وجبراً لخاطره، وما أروع أن تقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصاً عندما نعلم أن خطئه غير مقصود وأن تاريخ صحبتنا معه طيب نقي، فالصفح عنه ومسامحته تطيب نفسه وتجبر خاطره، والبر بأرقى صورة أن تشترى لوالديك ما يحتاجون وتفاجئهم بما يفقدون دون طلب منهم أو سؤال بل كرم منك، كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذى انكسر قلبه وذلت نفسه وضاق صدره وما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيب ومن طعامنا ولو الشئ القليل ومن دعائنا ما نستطيع فبذلك نجبر كسرهم ونطيب قلوبهم.
وفى هذا الزمان ونحن حالياً فى أشد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لقوة الظروف الاقتصادية والمعيشية حالياً وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم والهموم الكثيرة.. وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير الجهد ولا كبير طاقة فربما يكفى البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر إلى مساعدة وينتظر البعض قضاء حاجة ويكتفى البعض الآخر بابتسامة
الإنسان فى حياتنا يتعرض لظروف شديدة، فكم من حزين بحاجة إلى من يجبر بخاطره بكلمة حانية تضمد جراحات قلبه، وكم من مظلوم بأمس الحاجة إلى من يقف معه فى مظلمته ويخفف عنه ألم الظلم والقهر الذى يقطع قلبه وكم من مبتلى يتمنى أن يجد أخا صادقاً يصبره فى بلاءه ويقويه ويشد أزره، وكم من مهموم قد أثقلته الهموم ينتظر صديقاً يفتح له باب الأمل ويبشره بقرب الفرج، وكم مريض قد هده المرض ينتظر زائراً يواسيه ويخفف عنه آلامه.
ومن جبر الخواطر أن تشكر من قدم لك خدمة ولو كانت واجبة عليه، كان يشكر الزوج زوجته وتشكر الزوجه زوجها، ويشكر الوالدين أبنائهم وأن تثنى على من بذل جهداً ولو لم يستطيع إتقانه وتمدح من قام به من جهد ولاسيما إذا كنت مسئولاً عنه كالمدير حين يشكر موظفيه أو المسئول حين يثنى على المجتهدين من عماله فإن هذا الثناء سيرفع همتهم ويطيب نفوسهم.
وحين تحزن مع أخيك الحزين وتعزيه وتواسيه وتفرح معه إذا كان مسروراً وتبارك له وتظهر له السرور والبهجة فإن هذه مواقف راقية مؤثرة تجبر الخواطر وتراعى المشاعر وكما أن جبر الخواطر له أثر طيب فى النفوس فإن كسر الخواطر قد يحدث أثراً سيئاً فى نفس الإنسان فرب كلمة قيلت من شخص كانت سبباً فى تدمير حياة آخرين فالكلمة قد تجبر وقد تجرح، فكم من مبدع قتلت إبداعه كلمات المثبطين وكم من مريض تحطمت معنوياته بسبب عبارات بعض الزائرين وكم من مجتهد فى عمله أصبح متكاسلاً بسبب كسر خاطره وعدم تقدير جهده من المسئولين.
ويمكن إجمالاً التأكيد على أن من عبادات جبر الخواطر وأهمها قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم وقضاء دين
غارميهم والتصدق على فقيرهم وكفالة يتيمهم وقبول اعتذارهم وشكرهم على حسن صنيعة ومشورتهم وتقديم النصيحة لهم ومشاركتهم فى أحزانهم وأفراحهم وتلبية دعوتهم والاهتمام بمشكلاتهم ومساعدتهم، حيث أشار القرآن الكريم فى آيات متعددة إلى هذه المعنى ومن ذلك قوله تعالي: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»
والواقع أن تفريج كرب الناس وسد حاجاتهم أكثر ثواباً وأقرب قبولاً عند الله تعالى وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نَفَّس عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ الله عنْه كُرْ بَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ» إلخ، وجاء فى الكتاب المقدس م٧٤١ :٣ يشفى المنكسرى القلوب ويجبر كسرهم.
وواقعنا المجتمعى المعاصر وما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية وتحديات مؤثرة تدعونا أن نعظم وبكل قوة عبادة جبر الخواطر خاصة أننا نقترب من حلول شهر رمضان المبارك ادعوا الله سبحانه وتعالى أن يحل علينا ونحن جميعاً على قلب رجل واحد ندعم دولتنا فى مواجهة الأزمات ونساند شعبنا وأهلنا فى كل مكان وأن يجتهد الجميع لتقديم يد العون لكل محتاج وبأى صورة يراها مناسبة ليبرز للعالم أجمع أعظم ما فى الشعب المصرى من قيم التراحم والترابط والتكافل الاجتماعى فلا يمكن أن يرضى الغنى بأن يعيش من حوله من الفقراء والمحتاجين يعانون عدم وجود المأكل والملبس فلابد أن يكون وطنناً قائماً وراسخاً على قاعدة جبر الخواطر وأن تكون هذه ثقافة عميقة فى أركان مجتمعنا شاملة لكل علاقتنا
الأمل الكبير أن تكون عبادة جبر الخواطر هذا العام وهذه الأيام هى أفضل العبادات وأولاها حتى نبرز للعالم ونؤكد لأنفسنا أننا أصحاب قيم الرحمة والإنسانية والتراحم وجبر الخواطر ووحدة المصريين فى مواجهة كل التحديات مستلهمين كل ذلك من القيم السامية الراسخة فى ديننا..
وختاماً فإن كل ما نقوم به فى سبيل جبر الخاطر لأهلنا ومجتمعنا ليس تفضلاً ولكنه حق وواجب وفرض فزيارة المريض ومساعدة المحتاج وقضاء حوائج الناس وحل شكواهم وفك كربهم ومواساتهم وتهنئتهم والاستماع إليهم والتواصل معهم كل ذلك هو أفضل عبادة وأحسن سبيل لترسيخ قيم التكافل الاجتماعى والتراحم والمودة والترابط وتلك من أهم استراتيجيات البناء الإنسانى الذى تحث عليه كافة الشرائع السماوية وحسناً فعلت وزارة الأوقاف عندما حددت خطبه الجمعة الماضية عن جبر الخواطر وعندما استمعت إلى خطيب الجمعة وهو يتحدث عن هذه العبادة العظيمة قررت فوراً ولحظياً أن أعلن عن مبادرة لجبر الخاطر بمشاركة رموز وأبناء قريتى السمارة تمى الأمديد التى أشرف بالانتماء إليها وادعوا كل الرموز الوطنية فى كل محافظات ومراكز وقرى وعزب ونجوع مصر لتتبنى هذا الأمر كل فى مكانه جبراً للخاطر ودعماً لكل محتاج.
وهنا لا يفوتنى أن أشير إلى أن تفاعل السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الظروف والمتغيرات الاقتصادية والتوجيه مؤخراً بحزمه من برامج الحماية الاجتماعية بزيادة المرتبات والمعاشات والإعفاءات فهذا جبر للخواطر لكل الفئات المستفيدة خاصة أن هذا التفاعل جاء فى توقيته وفى محله مع أمنياتى أن يكون هذا المنهج راسخاً لدى كافة مؤسسات الدولة التى تتعامل مع المواطنين للتفاعل مع همومهم ومشكلاتهم والاهتمام بها جبراً لخواطرهم.. اللهم سخرنا وسخر لنا ما يعيننا على جبر الخواطر وقضاء حوائج الناس فى إطار من الود والحب والصدق والتسامح وصفاء النفس وسمو
الأخلاق.
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم