ثمة عوامل كثيرة تجعل الاحتفال بثورة 32 يوليو ذكرى تجدد وتتكرر بالعزة والكرامة والفخر والاعتزاز فهو اليوم الذى أسست فيه جمهوريتنا الأولى ورفع فيه ناصر شعار «ارفع رأسك يا أخى فقد انتهى عهد الاستعمار».. اليوم الذى انطلقت فيه مصر إلى العالم دولة تحمل فى سطور تاريخها 7 آلاف سنة.. والاحتفال بـ 32 يوليو فى ذكراها الـ 72 هو ليس لأننا نغرق فى ماض بل استشراف للمستقبل .. فلم يكن تاريخ الثورة رقماً منتهياً ولا تجربة خاضها الضباط الأحرار الـ 31 الذين فجروا واحدة من أهم ثورات تاريخنا المعاصر ومحوراً للباحثين ليس فى دول أوروبا أو أمريكا بل فى دول العالم الثالث وأمريكا.. وباتت عنوانا للتحرر الوطنى والاستقلال.. وجاءت عنواناً لمشروع تنموى شامل يحدث التغيير الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والثقافى لدولة عربية مميزة بموقع استراتيجى ولها مكانة مهمة على خريطة العالم.. دقت الثورة فى وقت مبكر ناقوس الخطر أمام تحديات جسام فى منتصف القرن الماضى لتبعث اليقظة والمجد لأمتها فى محيطها الاستراتيجى الجغرافى وامتدت إلى أفريقيا لتقود التحرر ضد الاستعمار.. وعلى أثرها وقف الزحف الاستعمارى وخفت ضوء أمم وامبراطوريات كانت لا تغيب عنها الشمس.. لم تكن الثورة مجرد تغيير علم أو يوم وطنى لدولة لها تاريخها بل كان إيذاناً ببدء عهد جديد خروج من نفق التخلف والغفلة إلى فجر جديد.. وفى طريق تنفيذ مشروعها التنموى جوبهت بضراوة الاستعمار أمامها إضافة إلى الثورة المضادة من أعدائها فى الداخل الذين حاولوا قتل الحلم الثورى للبناء والتنمية.
التوسع الزراعى.. التصنيع.. وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين أهم الإنجازات
الاهتمام بالتعليم والصحة وحماية الأسر الأكثر احتياجاً.. قواسم مشتركة بين الثورتين
7 عقود والمصريون يواجهون جرائم جماعة الإخوان الإرهابية
الإخوان بالطبيعة وعبر تاريخها فى عداء تام مع قيام جيش وطنى قوى للدولة منذ تأسيسها على يد حسن البنا فى عام 82 وهذا ضمن مشروعهم «نشر الظلام» باعتبار أن بناء الجيش يتناقض مع أهداف الجماعة.. وواجهوا ناصر بتقديم مطالب إلى مجلس قيادة الثورة لا يمكن قبولها وكانت تتلخص فى مجملها أن قرارات الثورة ترفع إلى هيئة الإرشاد!! ولمسنا استمرار منهجهم الإرهابى فى سيناء فى مواجهة كلفت الدولة الكثير لوقف أعمالهم الإرهابية التى استشهد فيها أبناء الوطن من الجيش والشرطة والمدنيين.
.. وكانت المواجهة الأولى المهمة هى الإخوان وجماعتهم الإرهابية حيث قادوا حملات عاتية لإفشال المشروع الثورى الذى قادته الثورة للبناء والتنمية فى الداخل.. هذا ـ كلام جيلى أما اليوم فقد شهد شباب مصر استحضار الثورة بعد أحداث يناير وخلالها ومواجهة الجماعة الإرهابية فى ثورة 03 يونيو 3102 عندما حاول فصيل فاشى فشل فى اختطاف ثورة يوليو عام 25 عبر محطات مواجهة سجلها التاريخ فى حادث المنشية لاغتيال رمز الثورة جمال عبدالناصر ومواجهتهم بعد ذلك فى الستينيات أمام مشروعها التنموى وهى تخوض تجربة السد العالى بعد تأميم القناة عام 6591..
نخرج من هذا أن الثورات فى حياة المصريين ليست حوادث عابرة.. وليست مسيرة عابرة تطفو وتنتهى بل تظل فى الذاكرة الحية تحكى للأجيال أن الثورة مستمرة بإنجازاتها وأثرها فى الشارع المصرى ويحرسها المصريون بعد ثورة 03 يونيو بسلاح الوعى وأن المصريين لديهم الوعى لحماية ثوراتهم وهكذا يحافظون على 03 يونيو بنفس الروح الذكية التى دافعت وحافظت على مشروع يوليو إلى اليوم الذى تبقى آثاره خالدة فى مشروعها التنموى الثقافى التعليمى والصحى فهى حالة متفردة بين ثورات العالم فلا نجد ثورة قادرة على مواجهة أعدائها 27 عاماً وغياب كل من شاركوا فيها إلا فى هذه الثورة التى أمدت فى وهجها ثورة 03 يونيو فقد أعادت إنتاج نفسها لتنقذ مصر فى خمسينيات القرن الماضى وأيضاً فى 03 يونيو 3102 وكانت ملهمة للشعب الذى استعان بالجيش وضرب مثلاً مهماً فى الوفاء فإذا كانت يوليو ثورة ضباط التف حولها الشعب.. وجاءت يونيو ثورة الشعب التى حماها الجيش.
مقدمات أدت إلى الثورة
لكى نقف على أهمية وضرورات قيام الثورة علينا أن نقوم بزيارة سريعة لتاريخنا فى القرن الماضى الذى شهد قيام الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ووعد بلفور المشؤم 1917 وثورة 1919 بقيادة سعد زغلول والحرب العالمية الثانية 1939 – 1945التى تزامن معها دخول شباب مصر من الطبقة الوسطى إلى قواتنا المسلحة ومنهم تكونت نواة الضباط الأحرار على يد ضابط من أبناء هذا الوطن جمال عبدالناصر ونجح 31 عضواً فى القيام بالثورة التى كانت أحداث حرب 8491 أحد المواقف المهمة التى أكدت أن الثورة ضرورة لمصر وشعبها وفى يناير 2591 حريق القاهرة واضطراب القصر وفساد الأحزاب والحاشية واستعمار بغيض يحتل أهم دولة فى الشرق الأوسط لتكون معبراً لمستعمراته فى الهند وفى قارة تقاسمتها دول الاستعمار أفريقيا بثرواتها.. وفى أطول ليلة فى تاريخ الثورة ليلة 22 يوليو اتفق الضباط على ساعة الصفر وقد كانت ونجحت الثورة.
أطول ليالى الثورة
كانت ليلة 22 يوليو أطول ليالى الثورة عندما وصلت إلى الضباط أن القصر لديه أنباء عن تحرك غير طبيعى فى الجيش تزامن مع تعيين حسين سرى وزيراً للحربية.. وفى تحرك سريع تحددت ساعة الصفر يوم الأربعاء فجر 32 يوليو.
.. وجاء خطأ فى حساب الساعة والإبلاغ عنها عبر يوسف صديق القائد فى الكتيبة 31 والمكلفة بالسيطرة على قيادة القوات المسلحة وجاء التحرك عند الساعة 11 بدلاً من منتصف الليل ونجحت فى تفويت الفرصة على القصر وكان هذا التحرك عاملا مهما فى نجاح الثورة.
.. ومع الصباح جاء بيان الثورة على لسان أنور السادات عبر الإذاعة.. وتطورت الأحداث سريعاً بعد أن شلت كل الطرق أمام الرأى ولم يجد الملك فاروق فى الإسكندرية إلا الرضوخ لبيانات الثوار.. وجاء تواصل الضباط بتكليف على ماهر باشا بتشكيل الوزارة وكان يعنى أن أقصر وزارات مصر برئاسة نجيب الهلالى قد أقيلت بعد أقل من 81 ساعة من تشكيلها وتم إبلاغ العالم برسالة وصلت إلى بريطانيا وقواتها المرابطة فى السويس والقاهرة التزام الثورة التى هى شأن داخلى بالتأكيد على حماية الممتلكات للأجانب وكانت رسالة طمأنة ذكية للعالم فى ذلك الوقت أن الثورة «البيضاء» نجحت وأن هناك حكما جديدا فى مصر وأن اللواء محمد نجيب أكبر أعضاء الضباط سناً هو رئيس المرحلة الانتقالية.
الإصلاح الزراعى
ومع نجاح الثورة بدأ التحرك داخلياً وخارجياً وصدر فى غضون 44 يوماً قانون الإصلاح الزراعى الذى حدد الملكية الزراعية وأنهى عصر «الأبعديات» وكانت نقلة غير مسبوقة فى تمليك عموم الشعب لأرضهم ليعيد تشكيل الطقة المالكة وبدأ أصحاب الثروة فى الكيد للثورة التى حماها العمال والفلاحون فى عموم الوطن.. وبعدها دخلت الدولة فى مشروعها التنموى الصناعى وبناء جيش مصر يواجه التحديات التى تواجه الدولة وبقايا عناصر الاستعمار وجاء حادث المنشية ليؤكد أن جماعةالإخوان الإرهابية هى التى تقود الثورة المضادة مع تنامى الحاشية بعد أن فقدوا امتيازاتهم التى كانت حقا أصيلا للشعب وجاءت صفقة التسليح التشيكية إيذاناً جديداً بتحقيق جوانب أهدافها وهى بناء الجيش.
اتفاقية الجلاء
ونجحت الثورة فى عقد اتفاقية جلاء القوات البريطانية من مصر بعد 57 عاماً من التواجد على أرضها بعد الاحتلال عام 2881 إلى 81 يونيو 6591 وكان آخر جندى قد غادر فى هذا التاريخ قناة السويس بناء على اتفاقية الجلاء فى 91 أكتوبر 4591 ومنذ إلغاء النظام الملكى فى 81 يونيو 3591 جاء ميلاد الجمهورية الأولى بمصر.. تعد ثورتها واحدة من أهم ثورات العالم الثالث والعالم حتى اليوم بحسب مراكز الدراسات الاستراتيجية والأبحاث فى العالم.. ورغم المواجهة والتحديات الخارجية نجحت الثورة إلى اليوم فى السير إلى الأمام.
مؤتمر باندونج
وكانت مصر وثورتها الجديدة حديث العالم فى مؤتمر دول عدم الانحياز وهى المجموعة التى كان وراء تشكيلها تيتو رئيس يوغسلافيا ونهرو رئيس وزراء الهند لتكون باكورة منظمة لاتزال تعقد مؤتمراتها حتى اليوم دشنها ناصر ورفاقه فى الدولتين لتكون مجموعة مهمة تتحدث بصوت دول العالم الثالث فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ضد الاستعمار القديم الغرب ومعه أمريكا.
تمويل السد العالى وتأميم القناة
وفى عام 65 كانت خطة الثورة بعد انتخاب جمال عبدالناصر رئيساً ليكون أول رئيس مصرى منتخب فى تاريخ مصر من أب وأم مصريين هى بناء مصر وإقامة السد العالى وأمام تعقيدات التمويل وشروطه كان لمصر موقف آخر لتمويل السد.
وفى 62 يوليو وفى خطاب للرئيس عبدالناصر قرر تأميم القناة كوسيلة لتمويل مشروع السد العالى وتم تأميم القناة فى حدث أذهل العالم.. ودخلت مصر على أثر التأميم فى مواجهة جديدة هدفت منها دول الغرب لوقف المشروع التنموى الناهض فى الدولة الجديدة وقام العدوان الثلاثى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وخرجت مصر من معركة السويس بانتصار كبير شهد به العالم أن الثورة المصرية ماضية فى طريقها للبناء ومساندة حركات التحرر العربية فى الجزائر وغيرها وفى أفريقيا لتزلزل الأرض المستكينة سنوات تحت أقدام الاستعمار الناهب لثروات الشعوب فى أفريقيا وآسيا.
وتم البدء فى تنفيذ بناء السد الذى يعد درع الأمان للمصريين فى قراهم البالغة 4 آلاف قرية فى ذاك الوقت بعد أن كان يهددهم خطر الفيضان وآثاره على الاقتصاد الزراعي.. ولم يكن السد فقط الإنجاز بل بحيرة «ناصر» أكبر بحيرة صناعية فى العالم وهى التى تسهم كثيراً بمخزونها بتعويض العجز السنوى فى الإيراد الطبيعى للنهر الخالد.
حرب 7691
وبينما المشروع التنموى فى طريقه مستمراً جاءت نكسة 7691 فى حرب لم يختبر فيها الجيش.. وأمام عزيمة المصريين وإيمانهم بأهمية إزالة آثار العدوان رفضت الجماهير المصرية تنحى القيادة الممثلة فى جمال عبدالناصر قائد الثورة وبالفعل بدأت معركة الثورة للثأر من نكسة يونيو وتمت إعادة بناء الجيش وضرب المصريون المثل والوفاء للثورة فى المجهود الحربى ومرت حرب الاستنزاف وواجه المصريون بشجاعة وأباد كل المكائد التى حاولت النيل من الدولة المصرية ومشروعها التنموى الزراعى الصناعى الاجتماعى الصحى والتعليمي.. وحماية الأسرة المصرية والاهتمام بالمرأة كمكون أساسى فى المجتمع والاهتمام بالنشء فهو المستقبل والرعاية الصحية عبر مبادرات مميزة.
التعليم عنوان للتقدم
ودائماً نجاح الثورات مقرون بإنجازاتها وما أحدثته من تغيير اجتماعى وثقافى وتعليمى واقتصادى إضافة إلى دور الدولة نفسها كدولة محورية لتاريخها السياسى فى خريطة العالم.. هذه هى مصر وثورة يوليو التى نحتفل هذه الأيام بمرور 27 عاماً على ذكراها.
إحتفال بثورتين
الشعب المصرى احتفل خلال 42 يوماً بثورتين ففى 03 يونيو 4202 بالذكرى 11 لثورة 03 يونيو ثورة تجديد الدماء واستمرار التقدم للدولة المصرية على يد زعيم وطنى تحرك فى الوقتt المناسب لإنقاذ الدولة المصرية من الفاشية الدينية.. حافظ على الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى نجح فى إعادة مصر لمحورها التاريخى العالمى كدولة مهمة فى خريطة العالم بدورها وموقعها الاستراتيجى بإرادة قوية من قائد مصرى أراد لهذا الوطن بإذن الله التقدم والازدهار.. وها هى مشروعات أعمال المشروع التنموى الذى بدأ فى ثورة يوليو فى عهد عبدالناصر فى خمسينيات القرن الماضى يكمله الرئيس السيسى اليوم بفكر عصرى بدأ بمشروع عملاق هو ازدواج قناة السويس الذى حقق نجاحاً كبيداً ثم توالت المشروعات بمشروع القرن الحالى «حياة كريمة» ومشروع الإسكان الشامل سكن لكل المصريين بفروعه المختلفة هذه هى حقوق الإنسان الحقيقية فى الحياة الكريمة.. وفى نقاط سريعة سألت المهندس عبدالحكيم عبدالناصر فى إحدى المناسبات التى حضرتها بضريح الزعيم جمال عبدالناصر قبل عام ماذا عن مشروع حياة كريمة فقال هو مشروع العصر الذى كانت ثورة يوليو تسعى لتطوير الريف المصرى وها نحن نعيش هذه المرحلة فى بدء تنفيذ مشروع «حياة كريمة».
وصحياً نجد تجربة صحية مهمة فى تجربة 001 مليون صحة وهو أيضاً استكمال للمشروع الصحى لثورة يوليو حيث جاءت ثورة يونيو فى نظر الخبراء امتدادا طبيعيا لثورة يوليو.
علامة بارزة
.. وثورة يوليو ستظل تشكل علامة بارزة فى تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية فى مسار الوطن بما قدمته من تغييرات محلية وإنجازات مهمة وتحولات جذرية ليست فى مصر فقط بل فى كل دول العالم الباحث فى التحرر والاستقلال.