هجوم التنظيمات المسلحة السورية وتوقيته وسرعة تحركها أمام قوات النظام يثير تساؤلات عديدة ، لا سيما أن ذلك جاء بعدما أعلنت إسرائيل وحزب الله الموافقة على بنود المفاوضات التى طرحتها إدارة بايدن لوقف الحرب ، ولهذا يرى البعض ان إطلاق «هيئة تحرير الشام» معركتَها يهدف إلى توسيع رقعة سيطرتها مع «اغتنام فرصة الضعف» الذى تعيشه الجبهة اللبنانية ، كما يهدف الهجوم كذلك للاستفادة من الغموض الذى يشوب العلاقة بين تركيا وروسيا من جهة، وتركيا والنظام السورى من جهة أخري.
وتشهد الساحة السورية منذ فجر الأربعاء الماضى «عودة إلى البداية»، على ما كانت عليه منذ اندلاع أحداث واضطرابات عام 2011، وبعد أن تحولت إلى ساحة للنفوذ الدولى مع «الترهّل» الذى أصاب النظام. إذ رسمت المعركة فى سوريا «ستاتيكو» سيطر على المشهدية لأكثر من أعوام، ويتمثل فى الحلف المتين الذى تم بين النظام السورى والجمهورية الإسلامية فى إيران، وحزب الله اللبناني.
لم تقف التدخلات على أرض سوريا عند اللاعبين الإقليميين، بل تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، شكّلت الولايات المتحدة ما يُعرف بقوات التحالف الدولية. وتتمتع الولايات المتحدة بحضور عسكرى كبير فى سوريا، حيث تقود التحالف الدولى ضدّ الإرهاب، وتسيطر بشكل كامل على المجال الجوى فى شرق الفرات، الذى يُعتبر منطقة عمليات لها ، وبغض النظر عمّا إذا كان الهدف مكافحة الإرهاب، فإنّ الأكيد أن لواشنطن مصالح «جيوسياسية « فى المنطقة، لا سيما من خلال بسط سيطرتها على أكبر حقول النفط فى محافظتى دير الزور والحسكة، عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيًا.
ولا يقتصر الحضور فى سوريا على الولايات المتحدة، بل هناك لاعب رئيسى هو روسيا، التى نشطت عسكريًا بعد عام 2015 فى الدفاع عن النظام فى سوريا. حيث ترسم روسيا هناك مصالح إستراتيجية ترتبط بحضورها فى البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدة طرطوس، وجويًا عبر قاعدة حميميم السورية.
وللاسف عادت الحرب الأهلية فى سوريا إلى دائرة الضوء مرة أخرى بعد أن شن تحالف جديد من المتمردين والميليشيات ولن أبالغ إذا قلت الإرهابيين هجومًا مفاجئًا، اجتاح « حلب « ثانى أكبر المدن السورية .
وهى المرة الأولى التى يتم فيها الاستيلاء على أراضٍ فى حلب من قبل هذه القوات منذ عام 2016، مما أدى إلى تحطيم الجمود فى حرب لم تنته رسميًا أبدًا.
وهذا الصراع المتجدد تسبب فى مقتل أكثر من 300 ألف شخص وفرار ما يقرب من 6 ملايين لاجئ خارج البلاد، وله أيضًا تداعيات واسعة النطاق فى جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
وتتكون مجموعة الميليشيات الجديدة من عدة قوى وفصائل تزعم معارضتها للنظام السورى تقودهم «هيئة تحرير الشام» ، وهى جماعة تابعة لتنظيم القاعدة فى سوريا كانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة ، ولكنها قطعت علاقاتها رسميًا مع تنظيم القاعدة وكانت الحاكم الفعلى فى إدلب. وانضمت إليها مجموعات مدعومة من دولة أقليمية وأخرى كانت مدعومة سابقًا من الولايات المتحدة.
ومما زاد الوضع تعقيدًا أن قوات سوريا الديمقراطية تولت بعض هذه المناصب لأن عمودها الفقرى هم المقاتلون الأكراد من خلال مجموعة تُعرف باسم وحدات حماية الشعب (YPG)، والتى قاتلت سابقًا مجموعات معارضة سورية أخرى ، و تراها تركيا امتدادًا لمجموعة تعتبرها منظمة إرهابية .
أخيرا وليس آخرا نؤكد أن ما يجرى على الساحة السورية يمثل محاولة جديدة لإحياء مخطط 2011 وهو ما أطلقوا عليه الربيع العربى والذى كان ولا يزال يستهدف إسقاط دول المنطقة وتفتيت مؤسساتها الوطنية وطمس هويتها وتسطيح عقول المواطنين لاسيما الشباب والنشء الصغار ، ومن هذا المنطلق يجب علينا جميعا الانتباه جيدا لما يحاك من حولنا ونلتف حول قائدنا المخلص وجيشنا الوطنى وشرطتنا الابية الذين حموا البلاد والعباد طوال السنوات الماضية من الوقوع فى براثن مثل هذه الميليشيات التى تتخذ من دعاوى الثورات والمعارضة والتحرر ذريعة لهدم الأوطان ، ولم نرهم يوماً يرفعون السلاح فى وجه الأعداء والمحتلين !! .