ثمن الفوضى والانفلات لا تصفه الكلمات والعبارات بل التجارب والحصاد على أرض الواقع.. فما آلت إليه الأمور والأوضاع فى عقود وسنوات الفوضى يشير إلى حجم الكارثة والمأساة والخراب والدمار.. فهناك دول كانت قبل 2011 تنعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء راسخة على الخريطة.. لا تستهدفها تهديدات كانت دولاً بحق لها مؤسسات وطنية وبعد مؤامرات الفوضى تبخر كل شيء فقدت كل ما فيها.. حتى الأمل والحلم والمستقبل أصابها فيروس الانقسام والسقوط والانهيار والتشرذم والفوضى والإرهاب والتناحر والاقتتال الأهلي.. باتت مجرد ذكريات لأسماء دول تحولت إلى شبه وأشلاء دول جل أهداف المخلصين فيها.. ودعوات الشرفاء والأشقاء ان تعود إلى سيرتها الأولي.. فما أصابها من دمار وخراب وسقوط للأسف كان بأيدى شعوبها بعد أن تعرضوا لأخطر عملية تغييب وتزييف للوعى ونجحت حملات الشر فى إحداث شرخ كبير وانقسام خطير بين أهل بهذه الدول.
المشاهد التى نعلمها جميعا والكلفة والثمن والواقع فى دول الأزمات من ضحايا ثورات الخراب العربى أو الربيع الصهيو– أمريكى تشير إلى أننا أمام درس قاسٍ وحال من الندم بعد فوات الأوان حيث باتت هذه الشعوب تلعن نفسها بعد أن أغواها الشيطان لتدمير أوطانها.. فتدفع هى دون غيرها الثمن من إرهاب وفقدان للأمن والأمان والاستقرار والتشرد والقتل وسفك الدماء والاستباحة وفقدان دفء الأسرة والعائلة.. بل الأخطر هو فقدان الوطن أو مجرد الأمل فى استعادته.. وهنا شعوب ضاعت فى البحار والمحيطات والمخيمات ومعسكرات اللاجئين وما بين الفرقة والسب والاهانة ضاعت كرامتهم بعد أن ضاع الوطن.. ناهيك عن استباحة الأعراض على موائد اللئام.. لذلك القابض على الوطن مثل القابض على الجمر.. فهو أغلى ما يملك الإنسان.. فإنسان بلا وطن هو ميت دون دفن.
فى ظنى أن أسباب الفوضى التى حدثت فى الربيع الصهيو– أمريكى الذى انطلق فى 2011 هى احتلال قوى الشر لعقول الشعوب فى ظل غياب الدول ومؤسساتها.. تركت عقول شعوبها للذئاب واللئام.. وغابت جسور الحوار والتواصل ونجح أعداء الأوطان والمرتزقة وعملاء الداخل فى زرع الفتن والوقيعة وزيادة الاحتقان والتضخيم من أزمات بسيطة أو أخطاء عابرة.. من هنا فإن اليقظة والوعى والفهم واحتضان ورعاية الشعوب بالوعى والفهم والتشاركية والاطلاع والشفافية أقوى أسلحة المواجهة.
لن أسمى دول الأزمات التى سقطت بسبب الفوضى والانفلات والمؤامرات ولكنى أطرح تساؤلات مهمة هل جنت هذه الدول ما تم تسويقه واغواؤها به وخداعها به مثل الحرية والديمقراطية والتقدم والرخاء والعدل وهى معانٍ جميلة؟.. لكنها مجرد فخاخ وطُعم ابتلعته الشعوب لتدمير أوطانها.. هل أحوال وأوضاع دول الأزمات قبل الفوضى أفضل.. أم بعدها؟.. هل ظهرت عليها علامات التقدم والأمن والأمان والاستقرار؟.. أم أصبحت أرضاً للأشباح والإرهاب والفاسدين والأطماع؟.. وهل تحولت دول الأزمات بعد الفوضى إلى جنة الله فى أرضه أو توازى وتضاهى الدول الأوروبية؟.. السؤال أيضاً كم تحتاج هذه الدول التى سقطت من جهود وتضحيات لتعود إلى طبيعتها وأمنها واستقرارها؟.. وكم تحتاج من أموال وآلاف المليارات من الدولارات لإعادة بنائها على الأقل كما كانت؟.. ومن يتحمل فاتورة ضياع الوقت واستنزاف الثروات والموارد؟.. وهل هناك قدرة على إعادة توحيد الشعب وجمعه على طاولة واحدة وعلى قلب رجل واحد.. أم انه فات الآوان وبات المرض عضالاً لا شفاء منه؟.. وهل مازالت تحتفظ وتمارس سيادتها على أراضيها ومواردها وثرواتها أم ان الأرض أو جزء منها ضاع وتعرض للاحتلال وانتهكت السيادة وباتت مسرحاً للقوى الاستعمارية المتنافسة وبات شعبها لا يعرف بعضه البعض؟.
كيف ترى شعوب الأزمات نفسها الآن وهى تعيش فى مخيمات ومعسكرات اللاجئين أو دول أخري؟.. هل هى على رضا بما فعلت بعد أن فقدت أعز ما تملك بل هو الوجود نفسه إنه الوطن؟.
أى مواطن لابد ان يضع كل حركة أو فعل أو كلمة تتعلق بالوطن فى عين الاعتبار والاهتمام.. يقبض عليه كالقابض على الجمر.. يحتضنه.. يدافع عنه بكل ما يملك.
ليس معنى ان الوطن يواجه أزمة أو أزمات عابرة تحل فى وقت قصير بسبب ضائقة جاءت من الخارج ان نطلق العنان للطعنات والاحباط والإساءات أو نصغى ونفتح الآذان لنسمع أحاديث الإفك والكذب والتشكيك من قوى الشر ولجان الإخوان المجرمين الإلكترونية.. بطبيعة الحال أهدافهم غير أهدافك لا يريدون ولا يتمنون لك الخير.. بل يدفعونك إلى تدمير وتخريب وطنك.. يريدون احباطك وترسيخ العجز وفقدان الثقة فى الوطن ثم يرقصون على جثتك.. هو قمة النجاح لهم.. لأنهم نفذوا أهداف الشيطان الذى يمول ويدعم ويحتضن ويستضيف فى دول قوى الشر التى تؤوى الخونة.
ثمن الفوضى لا يقدر ولا يحصى هو الهلاك بعينه هو الموت فلا تعطى عقلك لعدوك الذى يسعى لتدميرك وثق دائما فى قدرة الوطن ونجاحه وإنجازاته وما لديه من فرص وحاضره ومستقبله.. لا تحكم على الأمور وما لدى الوطن من قوة فى وقت الأزمات العابرة أو التهديدات والحصار المفروض عليك بل عليك ان تكون ساعتها خلف الوطن.. تفهم وتعى وتدرك وتصبر وتتحمل.. لذلك فإن نهاية هذا الصبر خير يتدفق ونتائج تحصد وجنى ثمار العمل والبناء والتنمية على مدار 10 سنوات أتاحت للوطن فرصاً ثمينة وهو ما يحدث الآن ونراه بأعيننا.. فالمؤتمر المصري– الأوروبى هو نموذج لقوة وطنك لأن المصالح وليس العواطف هى من تحكم علاقات الدول وإذا لم يجدوا لديك شيئاً فلن يقدموا لك استثمارات بهذا الحجم بعشرات المليارات من (اليوروهات).. تلك هى القاعدة التى يجب أن نأخذ بها فى حكمنا على الأمور.
الرئيس عبدالفتاح السيسى دائم الحديث عن أهمية الاصطفاف وأن نكون على قلب رجل واحد ويؤكد دوماً ان الشعب هو من يحمى هذا الوطن.. وهو صمام الأمان وطوق النجاة والعبور للتحديات والأزمات والتهديدات ونتذكر مقولته (محدش هيحمى البلد دى غير شعبها).