العالم الذى عرفناه فى الماضى لم يعد موجودًا، التغيير قد حدث بالفعل وانتهى الأمر، فما هى العوامل التى تضمن لنا النجاح فى الانتقال إلى هذا العالم الجديد؟ تجيب مديرة صندوق النقد الدولى باختصار شديد وتقول، أولاً افسحوا المجال للمبادرات الخاصة وحرروا القيود وابعدوا الحكومة عن الأماكن التى لا يجب أن تتواجد فيها، ثانيًا احتضنوا التحول الرقمى وحولوا اقتصاداتكم إلى اقتصاد رقمي، ثالثًا نوعوا المصادر، فلم يعد بإمكانكم الاعتماد على قطاع واحد للنهوض بمستقبلكم، نوعوا اقتصادكم وأصدقاءكم وشركاءكم فى العمل، هذه الثلاثية تمثل فيما بينها سفينة نوح للاقتصاد العالمي.
>>>>
وهذا ينطبق على الاقتصاد المصرى بالطبع، فنحن فى أمس الحاجة إلى ثلاثية الإنقاذ دون تأخير أو تأجيل أو مماطلة، فتحرير القيود والتحول الرقمى وتنوع المصادر هى الروشتة الوحيدة للخروج من المأزق التاريخى الذى طال البقاء فيه حيث أطول عنق زجاجة فى التاريخ، لكن هل هذه الجمل الثلاث التى تبدو بسيطة وبسيطة جدا جديدة على مسامعنا ومسامع الحكومة حتى نضمنها فى مقال كامل ؟ الإجابة لا، ليس هناك جديد، فنحن جميعا نعرف الداء والدواء لكننا لا نتحرك بالشكل الكافى والسرعة المطلوبة، الحكومة تعلن انها ستمكن القطاع الخاص وستكون مشاركته فى الناتج المحلى الإجمالى لا تقل عن 56 ٪، وتعلم كذلك ان التحول الرقمى جارى التحميل.
>>>>
أما تنوع أنشطتنا الاقتصادية وشركائنا وحتى اصدقائنا فهى متحققة بشكل كبير وذلك لطبيعة الاقتصاد المصرى المتنوع وللدور السياسى والدبلوماسى الذى يقوم به الرئيس لتحقيق هذا التنوع من كل الزوايا، لكن السؤال الذى يحتاج إلى إجابة، كيف سيتم تمكين القطاع الخاص، هل هذا التمكين يتم بقرار وتصريح وإعلان حكومى فقط ؟ ام انه يتحقق بحزمة من الإجراءات الصارمة والحاسمة التى لا تخضع للأهواء وفق منهج وخطة واضحة ومحددة ؟ الحقيقة أننى اشعر بالقلق تجاه تحقيق نتائج إيجابية سريعة بهذا الخصوص، فالدولة – فيما يبدو – تمكن القطاع الخاص بالنوايا دون الفعل الكافى فى الوقت المطلوب.
>>>>
الدولة الحكومية العميقة من دون الوزراء وكبار المسئولين او ما يسمى بدولة الموظفين هى المتحكم فى مجريات الأمور وهى ودون مواربة تمثل جلطة حقيقية فى شريان التقدم المنشود، نفس الشيء يمكن قوله عن التحول الرقمى الذى رفعت الدولة شعاراته منذ فترة طويلة وحاولت الحكومات تلو الحكومات رقمنة الدولة وخدماتها ومؤسساتها، لكن مقاومة «دولة المنتفعين» وأصحاب المصالح عطلت او عرقلت أو أخرت تحقيق حلم التحول الرقمي، الرئيس السيسى ومنذ تولى المسئولية وهو يضع هذا الملف نصب عينيه ولم يترك فرصة او مناسبة إلا وتحدث ووجه وتابع كل ما يتعلق بهذا الملف، لكن مواريث الروتين والبيروقراطية العتيقة التى ما عادت تصلح مع التحول الرقمى عطلت مسيرة التحول المستهدف، لقد انتج الروتين والتعقيد قديما تلك العبارة الساخرة «فوت علينا بكرة يا افندي» ومع التحول الرقمى الذى يسير ببطء مصطنع ظهرت عبارة جديدة أشد سخرية وتناسب العصر «السيستم واقع يا برنس».