مما لا شك فيه أن للإعلام الهادف والثقافة الرصينة أثراً كبيراً في بناء الشخصية والحفاظ علي أمن الوطن واستقراره، وأن الظروف الراهنة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية ومنطقتنا التي نعيش في رحاها تحتاج إلي ثقافة رصينة لبناء وعي ديني ووطني يصنع القدوة والمثل، وينأي عن كل ألوان الإسفاف والإلهاء والإغراء والدجل والشعوذة، فحال أمتنا لا يحتمل ما يمكن أن يطلق عليه ثقافة التريند أو ركوب التريند.
نحتاج إلي ثقافة البناء التي تقوم وترتكز علي إبراز القيم الإيجابية وتبرز منجزات الأمة والوطن ودور الشخصيات المؤثرة في تاريخنا المجيد، وتعالج قضايا الواقع بمهنية وموضوعية ورقيٍّ قيمي وأخلاقي وإنساني، وتبرز منجزاتنا قديما وحديثا لاستعادة ثقتنا بأنفسنا في مختلف المجالات، فنحن أصحاب تاريخ وحضارة عريقة تضرب بجذورها في أعماق الزمن لأكثر من سبعة آلاف عام، كما نملك رصيداً تاريخياً من تجذر هذا الشعب بأرضه وحفاظه عليها واستعداده للشهادة والتضحية في سبيلها.
عندما نتناول بعض السلبيات فإنما يجب علينا أن نتناولها لنعالجها لا لنتندر أو نتهكم من أصحابها، حيث نُهينا عن ذلك، يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَي أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَي أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ««الحجرات:١١-١٣».
كما لا نتناول بعض السلبيات لنجعل من صورة المجرمين أبطالا أو نسوق بقصد أو غفلة ودون قصد صورة لا تليق بتاريخنا العظيم ولا حاضرنا الراهن.
نريد ثقافة تبني في الشباب عزة النفس والاعتزاز بها وبالوطن، والاستعداد للفداء والتضحية في سبيله، ولا تجعل مجرد الحصول علي المال غاية في حد ذاته ولو كان لمجرد جمع المال أو علي حساب القيم والأخلاق.
نَعَم : نِعْم المال الصالح للعبد الصالح، والمال الصالح لا يمكن أن يأتي علي حساب الدين أو الوطن أو القيم أو الأخلاق أو المروءة واحترام الذات.
نريد ثقافة تعظم من شأن العلم والبحث العلمي والاختراع والابتكار وتبرز دور ومكانة العلماء والمصلحين والمفكرين والصناع والقادة الشرفاء في أوطانهم وفي دنيا الناس.
نريد ثقافة تسلط الضوء علي من يستحق أن يكون قدوة سواء من عظماء التاريخ أم من بناة عصرنا الحديث وواقعنا الراهن علي اختلاف منجزاتهم ثقافية أو اقتصادية أو إصلاحية أو غير ذلك.
علينا جميعاً أن نتقي الله في أوطاننا وشبابنا وأمتنا بل في أنفسنا لأننا سنلقي الله بأعمالنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي اللّه بقلب سليم»، يوم ينظر الإنسان عن يمينه وشماله فلا يري إلا ما قدّم.
ولله در الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري رحمه الله، حيث يقول:
أشياخ مؤتمر الثقافة إنكم
مني بما تشكو الثقافة أخبر
ماذا تفيد ثقافة من شأنها
تبكي البلاد ويضحك المستعمر
وشجبت أن الفكر راح يهينه
نفر بحرمة علمه يتستر
ما انفك يوهم نفسه ويضلها
عن نهجها أن الثقافة متجر