نواصل اليوم حلقتنا الثانية والأخيرة حول ما تناولناه أمس وبنفس عنوان عودة الفارس النبيل.
كان الجنرال ديجول على علم بالدور المرموق الذى لم تتأخر عن أدائه فى بلادك لدى الرئيس جمال عبدالناصر.
عاد الرجل فقلت له إننى جئت إليك اليوم لنتحدث عن الغد، أما الماضى فلن نتوقف عنده كثيراً حتى لا تقودنا التفاصيل الى مزيد من الفرقة والخلاف، والحاضر بقسوته ومرارته لن يصل بنا إلى ما نريد، لذلك فلن يكون أمامنا سوى الهرب الى المستقبل، ولكن كيف السبيل إلى هذا المستقبل ونحن لا نملك خريطة هذا الطريق، بيد أن السبيل الوحيد للوصول إلى هذه الخريطة هو البحث عنها لدى النخب الوطنية المخلصة، وأنت كقيمة وطنية جئتك اليوم كى استشرف بك ومعك ملامح المستقبل.
يقول الدكتور ثروت عكاشة:
أنتم الأمل الباقي.. فعلاً الشباب أمل هذه الأمة، وعليكم العمل بجد وإخلاص، فطريق المستقبل طويل وشاق.. لكن العبور للمستقبل ليس مستحيلاً، وعموماً يمكن توضيح الركائز الاساسية التى يمكن الاعتماد عليها وأنتم فى طريق المستقبل.
لابد من الاهتمام بالكيف قبل الكم والاهتمام بالتراث والانفتاح على الخارج والجمع بين القديم والجديد ولا يمكن لثقافة قومية أن تزدهر، إلا إذا عبرت عن فئات المجتمع.
وهنا مد الدكتور عكاشة يده وأمسك بالكتاب الذى بين يدى وردة فى عروة الفارس النبيل، وبدأ الرجل يستعرض رحلة عمره من خلال ملحق الصور فى نهاية الكتاب، وكانت كل صورة من تلك الصور بمثابة لقطة فى ذاكرة التاريخ.. تحكى قصة كفاح لرجل مازال يشارك فى تشكيل الوجدان الوطنى وهو على مشارف التسعين.
كانت ذكريات وخواطر د.ناصر الدين الاسد هى ضربة البداية فى مبادرة الوفاء التى أطلقتها الدكتورة سعاد الصباح «وردة فى عروة الفارس النبيل» لقد تذكر ناصر الدين الاسد تلك الكلمة التى ألقاها الدكتور عكاشة أمام الدورة العاشرة للمجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية بعمان، حيث استخلص الدكتور الاسد أهم ما جاء فى كلمة الدكتور عكاشة، والتى تمثل برنامجاً متكاملاً لأى محاولة إصلاحية كما يلي:
> إن الإسلام والعروبة مقترنان، ولا يجوز إحداث تناقض مفتعل بينهما.
> إن الحضارة الإسلامية حقيقة ملموسة وليست دعوة ملفقة.
> إن الصفات الطبيعية التى تربط بين شعوب الامة لا تحول دون أن يكون لكل جزء من هذا الوطن العربى سماته الخاصة.
> إن العروبة ضرورة ثقافية لا غنى عنها وأن الوطن العربى ينهض على ضميره الثقافى المرتكز على اللغة ولكن العروبة لا تنحصر فى أنها لغة وهوية فحسب بل هى أيضا موقف سياسي.
> إن الإسلام هو نقطة انطلاق الثافة العربية ولكن من الخطأ العلمى اعتماد المكون الوحيد لها، فقد نهلت منطقتنا من تراث ثقافات عظيمة متعددة سبقت الإسلام.
> إن الأمة العربية تحررت سياسياً وعسكرياً ولكن بقى عليها أمران بالغا الأهمية.. الأول الانعتاق من أغلال القهر وذلك بانضمامها إلى المشروع العقلانى للديمقراطية والتعددية، والثانى امتلاك إرادة التغيير، فمازلنا نستعين بالمستعمر القديم فهو الذى يبتكر ولا يعطينا إلا ما يشاء بل إنه ليمنع عنا ما نحن فى أمس الحاجة إليه.
> إن حضارة اليوم هى حضارة العلم ولكننا نكتفى بشراء نتائجها وقطف ثمارها واستيرادها دون أن نأخذ بالمنهج الذى يحدثها ويحركها.
> إنه لا يجوز الاقتصار على اجترار ماضينا العريق والحسرة على ما فات، بل لابد من العمل على الإضافة اليه وإغنائه.
> إن مقاومة الغرور الثقافى لا يجوز أن تتخذ ذريعة لرفض الثقافة الإنسانية والتراث العلمى بما ينطويان عليه من قيم ولا بد من فتح الأبواب بيننا وبين الشعوب الاخرى لنأخذ بالأصلح والأنفع دون أن نستسلم أو نذوب فى غيرنا فنفقد كياننا.
> إنه يحق لنا التساؤل كيف نجمع بين ما هو محلى وما هو وافد ونوازن بين الثقافة المحلية والثقافة العالمية، فالثقافات قد تختلف غير أن نهج الحياة يفرض عليها وحدة جامعة، فكيف السبيل إلى تجنب التضحية بهذا الاختلاف الحضارى أمام تلك الوحدة الجامعة؟
> إن التعامل مع التراث يجب أن يكون استقاء لعناصر جمالية واستلهاماً لمعان وقيم دون أن يكون فى ذلك تجميد لحركة الفكر ولا سقوط فى قبضة قيم تجاوزها الزمن.
وبعد أن استعرضت تلك النقاط التى تمثل نموذجاً جاداً للإصلاح الشامل، أمسك الرجل بقلمه وكتب لى إهداءاً على كتاب «وردة فى عروة الفارس النبيل».