أفكّر كثيراًَ فيما يدور حولنا من أحداث ومواقف تمثل فى جملتها تغييراً جذرياً حقيقياً أو ما نطلق عليه إعادة تشكيل النظام العالمى من جميع زواياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية، أول ما أفكر فيه هو إلى أى مدى سيصل قطار التغيير؟ وهل سيكون هناك ضحايا يدهسهم هذا القطار فى طريقه إلى محطته المرسومة؟ ومن الرابحون الأساسيون فى هذه الرحلة المنهكة؟ والأهم ماذا عنا؟ ماذا عن مصر تحديداً وهى تعيش وسط محيط إقليمى بائس يموج بالصراعات التى لا تبدو لها نهاية؟
>>>
أفكر بقلق فى مآلات المشاهد التى نعيشها الآن، بيد أن حزمة التصريحات الأمريكية التى جاءت على لسان الرئيس الأمريكى والتى أحرجت وجرحت وربما أهانت معظم زعماء العالم، فى أوروبا شاهدنا كيف تتعامل الإدارة الأمريكية مع اقرب حلفائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا والمكسيك ودول أمريكا اللاتينية والوسطي، صدمتنا تصريحات حول ضم دولة بحجم كندا حتى تصبح ولاية أمريكية، وتابعنا تصريحات حول ضم بنما وقناتها ثم المكسيك وخليجها وأخيراً غزة وساحلها الجميل ثم التعريفات الجمركية والفيدرالى الأمريكى والتراجع السريع فى كل القرارات بشكل يبدو غير متصور.
>>>
وسط هذه الكتل الضبابية أرى عقلى فى حالة ثرثرة لا إرادية مفرطة، تخيل معى صعوبة الحالة، عقلك ومخك وقلبك وتفكيرك فى حالة غليان وثرثرة ولسانك يظل صامتا! ربما صمت المقهور الذى يختبئ وراء ستائر الصبر والحكمة، ربما تكون الكلمات الزاعقة التى تتحرك بها الألسنة هى التى تخفف الضغط على العقل وثرثرته والقلب وأوجاعه، هذا الكلام ينطبق على كل الأمور فى كل المجالات، لكن عندما يرتبط الأمر بالسياسة والعلاقات الدولية فالامر يجب ان يوضع فى نصابه الصحيح.
>>>
فلا الصمت يمثل ضعفاً ولا قهراً وإنما يمثل رؤية من واقع حسابات المصالح وهذه هى البراجماتية التى خرجت من رحم الحكمة، فى العلاقات الدولية لا قيمة للصوت العالى ولا التصريحات الجوفاء ولا الاشتباكات المجانية.. بيت القصيد فى العلاقات الدولية هو المصالح وفقاً لنظريات المصلحة الوطنية، لكن هذا مجال الساسة ورجال العلاقات الدولية الذين يعملون فى دروبها ويعرفون دهاليزها، لكن فى الصحافة والإعلام الوضع مختلف تماماً حتى ولو كان واقعه غير ذلك، فالمفكر حر ولا قيد على العقل إلا العقل ذاته، والصحفى لا قيد عليه إلا الحقيقة ومصادرها الموثوقة.
>>>
المثقف لا تثريب عليه ان يقول ما يشاء ولا قيد عليه إلى تلك القيود الثقافية لمجتمعه، أصل إلى بيت لب مقالى والهدف منه هو البحث عن إجابة واضحة عن مجموعة اسئلة افتراضية – ماذا لو وجدنا انفسنا فى حالة مواجهة من أى نوع مع أى طرف من الأطراف المحتملة أو غير المحتملة؟ ماذا لو قررت أمريكا اتخاذ أى قرارات تشكل خطراً على المنطقة ومن ثم على مصر بشكل مباشر؟ ماذا لو قررت – مثلا – تهجير الفلسطينيين عنوة عبر جسر جوى من داخل إسرائيل؟ وماذا لو كان الفلسطينيون أنفسهم موافقين؟
>>>
ماذا لو أصرت الإدارة الأمريكية على طلب إعفاء سفنها من رسوم عبور قناة السويس ولم تستمع إلى صوت العقل والحكمة والقانون والتاريخ؟ ما السيناريوهات المقترحة للتعامل مع مثل هذه المواقف والقرارات الافتراضية على مستويات مختلفة أقلها الرأى العام والإعلام؟ اما المواقف الرسمية فكما قلت لها حساباتها الخاصة التى لا ندخل أو نتدخل فى محدداتها وتفاصيلها، كيف سيكون الرد حينئذ؟ وكيف سيكون مبرر عدم الرد إذا كان هو الخيار؟ هل الهجوم الإعلامى والحشد الشعبى سيكون هو الحل الأمثل للمواجهة – إذا فُرضت لا قدر الله علينا- ؟
>>>
أم يجب أن تتغلب الحكمة ويكون الصمت والانتظار هو الحل الباهت المقبول على مضض؟ هنا أقول اننا لسنا وحدنا فى هذا العالم، عشرات الدول ان لم يكن المئات تضع أياديها على قلوبها خوفا من مثل هذه القرارات أو التصريحات الجارحة، لكن الواضح ان زعماء العالم قرروا – دون اتفاق – الصبر والانتظار وعدم الرد أو التعليق أو الالتجاء إلى التصعيد وأبراز أدوات النزال والمواجهة، لكن ما اردته فى كل الأحوال هو الاستعداد لاحتمالات الصدام الناتج عن تباين الرؤى وربما تعارض المصالح.
>>>
علينا ان نقرأ جميع السيناريوهات ونستعد لأسوأ الافتراضات ونعرف ما لنا وما علينا وما يجب ان يقال وما يجب إن يظل طى الكتمان المؤقت، فالصورة تبدو شديدة التعقيد ولا يجب ان نأمن أو نستأمن أى طرف، « فالحذر يؤتى فقط من مأمنه