فيلم «تيتانيك» فيلم كوارث.. ورومانسى وملحمي، أمريكى من إخراج وإنتاج وكتابة جيمس كاميرون.. تناول الفيلم كارثة غرق السفينة «إن. إم. إس» تيتانيك فى أولى رحلاتها عبر المحيط الأطلسي.. دمج الفيلم الجوانب التاريخية والحب والخيانة، وتخللت القصة الخسائر البشرية.. فكان على سطح السفينة النبلاء والصالونات المخملية والموسيقى الرومانية الراقصة والجميلات من النساء والارستقراط من الرجال، منهم من وقع فى بئر الخيانة والحب والأحلام الوردية.
وفى قاع السفينة، الفقراء وقطعان الأغنام والماعز.. وتسير بالجميع كل حسب أفكاره، إلا أنه فى طريق سيرها تواجه جبل الجليد وتصطدم به لتغرق بكل من عليها ولم يفرق الغرق بين القطعان من الأغنام والفقراء والأثرياء.
ما يحدث فى قطاع غزة والإقليم والمنطقة، ذكرنى بأن الكارثة حين تقع لن تفرق بين طرف وآخر، بل الجميع سيكتوى بنارها، كل حسب موقعه وقدرته وتأكل الجميع.
زاد الإحساس بالكارثة أثناء متابعة خطاب حالة الاتحاد الذى ألقاه الرئيس الأمريكى بايدن أمام الكونجرس، والذى تطرق فيه إلى ما يحدث فى قطاع غزة وأكد انحيازه لإسرائيل ومصالحها وأمنها وحقها فى الدفاع عن النفس، ثم دعا إلى وقف إطلاق النار لمدة ٦ أسابيع بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية والإفراج عن الرهائن، إلا أن اسرائيل لم تستجب، بل أكدت استمرارها فى حربها حتى تحقيق أهدافها، التى فشلت فى تحقيقها على مدى الأشهر السابقة، ورغم الدمار والتجويع والشهداء والمفقودين بفضل الفيتو الأمريكى ضد وقف اطلاق النار ليعطل صدور قرار من مجلس الأمن.. ناهيك عن استمرار تدفق السلاح الأمريكى بأشكاله على اسرائيل لتستخدمه فى حربها ضد غزة.. القنابل الغبية وقذائف الدبابات والفسفور الأبيض.
وفجأة بعد أن شعرت الإدارة الأمريكية بضغوط الشارع الأمريكى لوقف الحرب ووقف إمداد اسرائيل بالسلاح وكان انحياز الإدارة الديمقراطية كما أظهرت استطلاعات الرأى تدنى شعبية هذه الإدارة وهى تستعد لخوض الانتخابات فى نوفمبر المقبل أمام ترامب خصمها العنيد.
فما كان من بايدن إلا أن يلقى المساعدات بإسقاط جوى على بعض المناطق فى غزة، مع استمرار إحكام الحصار ومنع دخول المساعدات عبر المعابر، فى محاولة لتحسين صورته أمام قاعدته الانتخابية، خاصة من الشباب والعرب المسلمين الذين لم تتجاوز نسبتهم 1٪ من قاعدته الانتخابية مقابل 15٪ من اليهود الصهاينة، وبالتالى لم يجرؤ على اتخاذ أى قرار بوقف اطلاق النار، لتستمر الإبادة الجماعية للفلسطينيين والتجويع وتدمير الحياة بكاملها.
أخطر ما قاله بايدن لإظهار تعاطفه مع الفلسطينيين لتخفيف معاناتهم هو إنشاء ميناء عائم خلال ٨ أسابيع يضم حرساً للسفن المحملة بالمساعدات ومستشفيات عائمة وطواقم تمريض وأطباء بإشراف الشركاء الدوليين والتفتيش من قبل اسرائيل.
يعتبر المقترح الأمريكى بإنشاء ميناء عائم مؤقت، بمثابة فخ ويثير الشكوك والمخاوف من التبعات الخطيرة له، وسط تأكيدات فلسطينية رسمية برفضه، خاصة أن آليات عمله خاضعة للشروط الاسرائيلية، وباعتباره مخرجاً للهرب من المطالبة بفك الحصار عن القطاع واستمرار تدفق المساعدات عبر المعابر.
يرى بعض المراقبين أن المقترح الأمريكى بإنشاء ميناء عائم مؤقت مقدمة لتهجير سكان القطاع للخارج وتكريس فصل مناطق شمال غزة عن وسط وجنوب القطاع، وهذا جوهر الخطة الاسرائيلية فى حربها على غزة.. إضافة إلى توفير الغطاء الدولى السياسى والعسكرى لإسرائيل من أجل استمرار جرائمها وتكريس فصل الضفة الغربية عن غزة وفصل مدن القطاع عن بعضها ليتلاشى حل الدولتين وجعل القطاع منطقة مستقلة بصورة دائمة.
يأتى الحديث عن ألف جندى من المارينز لإنشاء هذا الميناء والتأكيد على أنهم لن يكونوا على أرض غزة، إلا أن هذا الميناء بمثابة ضوء أخضر لاستمرار اسرائيل فى حربها على القطاع وتشجيع هجرة الفلسطينيين وإنهاء اتفاقية المعابر واستمرار إبادة الشعب الفلسطيني.
مخاطر فكرة إنشاء ميناء عائم، سبق أن طُرحت منذ عشر سنوات ورفضتها اسرائيل التى تقبل بها اليوم، وذلك لخدمة مخططات قناة بن جوريون والحزام والطريق الهندى والاستيلاء على الغاز والنفط فى ساحل غزة.
فكرة الميناء العائم ضمن أهدافها تحقيق ما عجز نتنياهو عن تحقيقه، فقد عجز عن احتلال غزة وتصفية المقاومة وإطلاق سراح الأسري، ولم يجد من يقبل التعاون مع اسرائيل لإدارة غزة وفشلت محاولة حى الزيتون لإنشاء روابط قرى وإدارات عملية بذريعة الإشراف على توزيع المساعدات، فالهدف النهائى أن يكون الميناء العائم معبراً لتهجير أهل غزة وتفريغ القطاع من سكانه.
ما يتم الترتيب له، ربما يحدث كارثة مثل كارثة تيتانيك، حين اصطدمت بجبل الجليد ولم ينج أحد.