أشارت توقعات المؤسسات المالية الدولية، إلى اتساق النمو العالمى مع التنبؤات السابقة، حيث يصل إلى 3.2 ٪ فى عام 2024 و3.3 ٪ فى عام 2025. غير أن تفاوت النشاط فى مطلع العام كان له دور فى الحد من تباعد مستويات الناتج عبر الاقتصادات مع انحسار العوامل الدورية واقتراب معدلات النشاط من مستوياتها الممكنة. ويعوق تضخم أسعار الخدمات التقدم المرجو نحو إبطاء معدلات التضخم، مما يصعب معه استعادة السياسات النقدية العادية. وبالتالى زيادة احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول كثيراً، فى سياق تنامى الاضطرابات التجارية، وازدياد حالة عدم اليقين إزاء السياسات. وقد أكدت الكثير من التقارير الدولية أنه لإدارة هذه المخاطر والحفاظ على النمو، ينبغى تنفيذ مزيج السياسات اللازمة وفق تسلسل دقيق لتحقيق استقرار الأسعار وتعويض تراجع الاحتياطيات الوقائية. وهو ما استوعبته مصر خلال الفترة الماضية عبر مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التى بدأت تؤتى ثمارها، حيث أكدت التقارير أن الدين الخارجى فى أول يونيو الماضى تراجع بنسبة 8.43 ٪ أى بما يعادل 14.17 ٪ مليار دولار ليصل عند 153.86 مليار دولار خلال الخمسة شهور الماضية، هذا الانخفاض هو الأكبر حجماً فى تاريخ المديونية الخارجية لمصر على الإطلاق، وقد صاحب ذلك ارتفاع صافى الاحتياطيات الأجنبية لتصل فى يونيو الماضى إلى 46.38 مليار دولار لتغطى 7.9 شهر من الواردات السلعية، وهو رقم يمثل إلى حد كبير نقطة أمان فى القدرة على مواجهة ارتفاع الأسعار، والأهم خلال الفترة السابقة هو زياده تدفقات النقد الأجنبى للسوق المحلية بزياده 200 ٪ الأمر الذى يعكس الجدية فى القضاء على عجز الأصول الأجنبية، وهو ما انعكس على انخفاض معدل التضخم ليصل إلى 27.5 ٪ وهو أدنى معدل منذ فبراير 2023. الاشارات السابقة ما هى إلا دلالات حقيقية على استقرار الأسعار محلياً، والنجاح فى تخفيض الضغوط على الأسر المصرية، مع تعزيز للثقة فى العملة المحلية، وتعزيز بيئة الأعمال المصرية، وتعزيز للاستثمارات الأجنبية، كل هذا ارتبط بالتحسن الإيجابى الكبير فى نظرة وكالات التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى وتعديل توقعاتها المستقبلية منذ تحرير سعر الصرف فى مارس 2024. وقد صاحب ذلك زيادة وعى الحكومة الجديده بحجم المسئولية، وثقل ثقة القيادة السياسية فيها، وعمق ما تمر به مصر من أزمات وتحديات، والأهم أن الحكومة الحالية تضع أولويات المواطن المصرى فى المقدمة، عبر توجهات بضرورة دعم الإصلاح الاقتصادي، ومواصلة إجراءاته، خاصة فيما يتعلق بضرورة التكامل بين مبادرة ابدأ التى دشنها الرئيس السيسى فى أكتوبر 2022 والمعنية بتطوير الصناعة الوطنية، وتعميق المكون المحلى واستغلال المواد الخام، وبين مبادرة حياة كريمة المعنية بتنمية وتربية العنصر البشري، وهو الأمر الذى سيساهم فى توطيد التنمية، وتوطين واستدامة التربية والتنمية البشرية، وهو ما يعنى المساهمة فى تحقيق النمو الاقتصادى والاجتماعي، ودعم وتعميق الصناعة الوطنية عبر الاعتماد على المنتج المحلي، وتقليل نسبة الواردات، وهو ما سينعكس على تعزيز حقيقى لدور القطاع الخاص المصرى وتوطين التنميه وتنامى الابتكار.
بالتالى فإننا ما نؤكد عليه أن المرحلة الحالية تتطلب ضرورة العمل على ثلاثة محاور بالتوازن، المحور الأول تنفيذ واستكمال المشروعات القومية الكبرى لزيادة المكون المحلي، كذلك دعم الصناعة المصرية والتركيز على توطين صناعات جديدة فى مصر خاصة الخامات الدوائية ووسائل النقل الخفيف، أخيراً التدريب والبحث والتطوير من أجل ربطه بالمعايير الدولية حتى يمكن توفير فرص عمل حقيقية وتأهيل الشباب المصرى للقيادة، وهو ما تسعى إليه القيادة السياسية الآن.