فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، يمثل ملف الدعم الحكومى إحدى أهم القضايا التى تستحق المناقشة فى الحوار الوطني. مع تزايد الضغط على الموازنة العامة، والنمو المستمر فى عدد السكان، أصبح من الضرورى إعادة النظر فى آلية توزيع الدعم لضمان وصوله إلى المستحقين، مع تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي. فى هذا السياق، تُطرح فكرة التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى كحل محتمل، إلا أن اتخاذ قرار بهذا الحجم يتطلب توافقاً واسعاً بين القوى السياسية والاقتصادية المختلفة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال المناقشة فى الحوار الوطنى ولذلك حرصت القيادة السياسية على تحويل هذا الملف الى الحوار الوطنى للنقاش ورفع التوصيات الى الرئيس السيسى بعد توافق الجميع عليه شعباً وحكومة.
تتمتع آلية الحوار الوطنى بالقدرة على جمع كافة الأطراف المؤثرة فى صنع القرار، من الحكومة وكافة القوى السياسية وخبراء الاقتصاد والمجتمع المدني. فالحوار الوطنى يتيح الفرصة لعرض مختلف وجهات النظر حول التحول إلى الدعم النقدي، واستعراض المزايا والتحديات المحتملة. ومن هنا تأتى أهمية الاستماع إلى كافة الآراء لتشكيل سياسات واقعية تأخذ فى الاعتبار مختلف المصالح والفئات المجتمعية. إن النقاش المفتوح حول هذا الملف يمكن أن يُسهم فى بناء توافق وطنى حول أفضل الطرق لتطبيق التحول بفاعلية ودون الإضرار بالشرائح الأكثر احتياجاً.
الحكومة، من جانبها، ترى فى التحول إلى الدعم النقدى خطوة نحو تعزيز الكفاءة والعدالة الاجتماعية. حيث يُعد الدعم النقدى وسيلة أكثر شفافية لتوصيل المساعدات إلى المواطنين، ويقلل من التلاعب والفساد الذى يمكن أن يحدث فى نظام الدعم العيني. بالإضافة إلى ذلك، يمنح النظام النقدى المستفيدين حرية أكبر فى اختيار السلع التى يرغبون فى شرائها، بدلاً من الاقتصار على سلع معينة مدعومة. ومع ذلك، لا يمكن إغفال المخاوف التى قد ترافق هذا التحول، مثل ارتفاع معدلات التضخم وتأثيرها على قيمة الدعم النقدي، وكذلك المخاطر المرتبطة بتحكم التجار فى الأسعار بعد رفع الدعم العيني.
على الجانب الآخر، قد يعارض بعض القوى السياسية التحول إلى الدعم النقدي، معتبرين أنه قد يؤدى إلى تقليل الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفاً. فالبعض يرى أن النظام العيني، رغم مشاكله، يضمن للمواطنين الحصول على سلع أساسية بأسعار منخفضة ومستقرة، بغض النظر عن التغيرات فى السوق.، فقد يجد المواطنون صعوبة فى التكيف مع النظام النقدي، إذا لم يتم ربط قيمة الدعم بمعدلات التضخم بطريقة فعالة.
لذلك، فإن الحوار الوطنى يمثل فرصة ذهبية لمناقشة هذه المخاوف وطرح الحلول البديلة. يمكن للقوى السياسية والاقتصادية تقديم رؤاها حول كيفية تطبيق النظام الجديد بطريقة تحمى حقوق المستهلكين وتحافظ على استقرار السوق.. التوافق الوطنى حول ملف الدعم لا يعنى فقط الاتفاق على آلية التحول، بل يتطلب أيضاً وضع ضوابط صارمة لمراقبة السوق، وضمان أن يتم توجيه الدعم إلى المستحقين بشكل دقيق. يجب أن تكون هناك آلية شفافة لمراجعة نظام الدعم وتقييم فعاليته بشكل دوري، لضمان تحقيق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية.
فى النهاية، يبقى الحوار الوطنى الوسيلة الأنجع لتحقيق توافق حول ملف الدعم. وإشراك كافة القوى السياسية والمجتمعية فى هذا النقاش سيعزز من شرعية القرارات المتخذة، ويضمن أن تكون الحلول المطروحة مدروسة وشاملة لأن التحول إلى الدعم النقدى ليس مجرد قرار اقتصادي تتخذه الحكومة، بل هو قضية تمس حياة ملايين المواطنين، ولذلك ينبغى أن يُناقش بعناية وبتوافق وطنى واسع. إذا نجحت مصر فى تحقيق هذا التوافق، فإنها ستكون قد خطت خطوة كبيرة نحو إصلاح منظومة الدعم وتحقيق تنمية مستدامة تعود بالنفع على الجميع.