قوة الوطن من قوة شبابه، عندما تمتلك الدولة شبابا واعيا لديه الثقافة والعلم الرؤية والفهم الكفاءة ومهارة القيادة الانتماء والارتباط بالقيم الوطنية والأخلاقية تكون دولة قوية وقادرة على صناعة مستقبلها أما البلد الذي لا يؤهل شبابه ولا يحميهم من المخاطر التي تهددهم فلا مستقبل له.
شهدنا الأسبوع الماضى حدثًا مهمًا وهو احتفال تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بست سنوات على تأسيسها.
أهمية هذا الكيان أنه يرتبط بشكل مباشر بتأهيل الجيل الجديد بإعتباره ضرورة لبقاء قوة الدولة واستمراريتها، تأهيل على العمل السياسي والقيادة وتدريب على ثقافة الاختلاف الإيجابي الذي يبنى ولا يهدم، وطرح الأفكار والمشاركة وإيجاد الحلول.
ميزة التنسيقية أنها قامت منذ البداية على مبدأ واضح، وهو أن الوطن يتسع للجميع، وأن الاختلاف طبيعة البشر، نختلف لكن لصالح الوطن نتنافس من أجل تقدمه، نتحاور لصالحه، الاختلاف تنوع يُثرى ويدعم قوة الدولة إذا سار في الاتجاه الصحيح، لكن الخطر كل الخطر أن يتحول الاختلاف إلى صراع وتناحر وإنكار للآخرين.
وخلال السنوات الماضية نجحت التنسيقية فى أن تدعم بين أعضائها الشباب هذه الثوابت ونؤكد رفض منهج الاستقطاب وآحادية الفكر، لتبنى بذلك منهجًا جديدًا في العمل السياسي، يدعم استثمار قوة الشباب لصالح وطنهم، وقوام هذا المنهج أنه من حق كل إنسان أن يفكر ويقتنع بما يراه طالما أنه على أرضية وطنية، ولهذا جمعت تحت سقفها شباب 26 حزبًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كل عضو له حرية في أفكاره، يطرح ما يريد ويختلف ويناقش بل ويرفض لكن في إطار الدولة الوطنية، ولهذا نجحت التجربة في إحداث تغيير واضح فى صورة العمل السياسي التي سادت العقود طويلة وتحويله من صراع في الفراغ إلى تنافس حقيقي لكن بأصول وفهم وتوافق على الثوابت الوطنية، لا تشكيك ولا طعن ولا ترصد ولا تخوين، وإنما نقاش وحوار جاد وطرح أفكار وتوافق.
التجربة تستحق أن تكتمل، وأن تدعم وتتاح لها كل عوامل النجاح من كل الأطراف، لأنها لا تخدم أحدًا وإنما تخدم وطنًا يحتاج تضافر الجهود وتوحيد الرؤى والاصطفاف الوطنى المبنى على الاقتناع والحوار.
وهذا ما يلمسه كل من يناقش شباب التنسيقية، فهم بعيدون تمامًا عن التشنج السياسي ويرفضون المزايدة والتصارع، وإنما لديهم ما يناقشون به ويبنون عليه، لديهم فهم عميق لكل القضايا مبنى على حقائق مدفقة وليس مجرد معلومات هامشية وسطحية، وكلمة السر أنه تم تأهيلهم على أسس سياسية سليمة، تدعم القيم المشتركة وتعلى من ثوابت الوطن والانتماء، ويقينًا إذا كانت التجربة قدمت لنا بعض ثمارها المبشرة خلال السنوات الست سواء من خلال إفراز جيل جديد من شباب السياسيين والنواب المؤهلين أو المدربين على قيادة العمل العام وإدارة الحوار البناء، لكن ما نتوقعه خلال السنوات القادمة أكبر بكثير فى تغيير قواعد العمل السياسي بشكل عام وتصحيح العوار الذى أصاب المشهد السياسى على مدى عقود وكاد يدمر البلد.
يرتبط بهذا قضية أخرى هي قرار المجلس الأعلى للإعلام بمنح مهلة 90 يومًا للمنصات الإلكترونية لتوفيق أوضاعها، فالأمر هنا أيضا يخص المستقبل والشباب وصناعة الجيل الجديد، في ظل حالة الاختراق التي تمارسها هذه المنصات وقدرتها على الوصول إلى قلب المجتمع وعقله، فهى تهدد بشكل مباشر مستقبل الوطن وهويته من خلال ما تبثه من محتوى لا يمت بصلة لقيمنا الدينية والثقافية، والاجتماعية، بل يتناقض معها تماما ويخلق قيما جديدة تحت مسميات وشعارات وهمية مغرية، لكنها مدمرة لأفكار أبنائنا ولمجتمعنا، وإذا لم نلتفت تمامًا فسوف ندفع الثمن غاليًا.
ولذلك كان الحل لمواجهة هذا الخطر وحماية الشباب هو أن تفرض الدولة قوانينها، وقيمها وتلزم بها كل منصة تعمل في مصر، من يعمل على الأرض المصرية فعليه أن يحترم أصولها وضوابطها وثوابتها وقيمها، فلن يكون مقبولًا أن تبث منصة محتوى يروج للمثلية الجنسية أو يحرض على العنف والكراهية أو يقدم نماذج للأجيال الجديدة تفصلهم عن مجتمعهم وأخلاقياته وتحرضهم على أفكار أخرى خارجة عن الثوابت المصرية.
هذا جزء من تحرك الدولة المتواصل لحماية شبابها، ودعمهم بما يجعلهم قادرين على مواجهة تحديات المستقبل وحمايتهم من كل ما يمكن أن يؤدى إلى انحرافات فكرية أو سياسية أو دينية تهدم استقرار وتماسك المجتمع، ولهذا أعتقد أن الحدثين، تنسيقية الأحزاب والسياسيين وقرار تقنين أوضاع المنصات يستحقان التوقف أمامهما والتأكيد على أهميتهما وأنهما خطوات جادة في طريقنا إلى المستقبل وبناء أجيال من الشباب تؤمن بالدولة الوطنية وتتمسك بقيمها وتتشبث بأخلاقياتها، وثوابتها في ظل تطورات تحيط بنا من كل اتجاه.. تفرض علينا أن نعمل جاهدين على حماية أبنائنا وأجيالنا الجديدة بالوعى وتحصينهم ضد كل ما يهددهم بتغييب عقولهم أو ينحرف بهم عن مسار الوطن.