مع تطور الحياة والاندماج فى المجتمع المصرى نواجه العديد من التناقضات والطموحات وخلال أحد أيام الأسبوع الماضى شاركت فى جنازتين والعزاء إحداهما فى القاهرة والأخرى فى قريتى صفط زريق مركز ديرب نجم محافظة الشرقية وصباح ذلك اليوم شاركت فى جنازة شاب مصرى مؤهل تأهيلاً عالياً ذى الـ 49 عاماً تميز طول حياته بالتعاون والاندماج مع أهل المرحومين والديه وكفاحه فى عمله والوصول إلى مستوى اجتماعى ومالى واقتصادى متميز ووفاته بصورة مفاجئة خارج مصر.. واندهشت من تواجد مئات الشباب بملابسهم المدرسية الأنيقة لمشاركة زميلهم ابن المتوفى ولاحظت حزنهم العميق.. وبالرغم من مظاهرهم ولبسهم وأجسامهم الرياضية شاهدت دخولهم إلى داخل المدفن وقراءتهم القرآن والدعاء للمتوفى من عميق قلوبهم وهنا دار فى ذهنى مستقبل هؤلاء الشباب المؤهلين بمستوى عال اجتماعياً ومالياً وتعليمياً وهل سيستمرون فى دراستهم الجامعية داخل مصر أم سيسافرون إلى أوروبا وأمريكا لاستكمال دراستهم الجامعية؟ والسؤال الثانى هل سيستمرون بعد تخرجهم فى الجامعات فى العمل داخل مصر أم سيهاجرون للعمل بالدول الأوروبية والأمريكية؟ وهل ستستفيد الدولة والشعب المصرى من مستواهم العلمى والثقافى والاجتماعى للمشاركة فى بناء دولة مصر الحديثة أم سيهاجرون للعمل بالخارج والمشاركة فى تطوير هذه الدول الأجنبية ومعظمهم معادون لمصر والهوية العربية؟
وفى نفس الجنازة لاحظت المستوى الراقى والعدد الكبير من السيدات المشاركات فى الجنازة لتقديم العزاء لحرم المرحوم الشاب المتوفى والحزن والبكاء المستمر طوال مراسم الجنازة والدفن وفكرت كثيراً فى ارتفاع مستوى المشاركة المجتمعية الصادقة من هذه الطبقات ذات المستوى العالى ومسئوليتهن فى تربية وتأهيل أجيال من الشباب ذى الخلق العالى والحب الخارق نحو زميلهم وأخيهم فى الدراسة وهذا هو الأسلوب الرائع لتطوير الأوطان، وانبهرت بمشاركتهن فى صلاة الظهر وصلاة الجنازة ونظرت للآمال فى مستقبل مصر وكيفية الاستغلال الأمثل لهؤلاء الشباب الراقى فى المشاركة لتطوير الوطن الغالى مصر والمشاركة فى تحقيق التنمية الشاملة المستدامة.
طموحات تطوير مصر تعتمد اعتماداً كلياً على مدى مشاركة هؤلاء الطبقات الاجتماعية العالية المستوى فى تطوير الوطن وعدم الهجرة للخارج واستمرار العمل داخل الوطن المصرى والمشاركة فى التطوير الصناعى والزراعى والمعلوماتى والتكنولوجى من خلال استغلال مستواهم المادى وعلاقاتهم الخارجية والداخلية لجذب الاستثمارات المصرية والأجنبية فى المجالات الإنتاجية التى تساعد على نمو الاقتصاد المصرى وزيادة الطاقة الإنتاجية المحلية وزيادة الصادرات وتقليل الواردات والحد من الاستثمارات العقارية والخدماتية.. وبعد انتهاء مراسم الدفن تحركت نحو قريتى بمحافظة الشرقية لتقديم العزاء فى وفاة شاب صغير جداً هو نجل صلاح البنا ابن صفط زريق وعزاء أخى وصديقى وزميلى اللواء الحسينى سليم أحد أبطال حرب الاستنزاف وحرب السادس من أكتوبر 1973.
وطول الطريق شاهدت آلاف الأتوبيسات والميكروباصات المتحركة بكثافة عالية من مدينة العبور الصناعية ومدينة العاشر من رمضان مكتظة بالعاملين والعاملات العائدين بصورة يومية من عملهم بالمدينتين إلى منازلهم بقرى الشرقية وبالنظر إلى وجوههم لاحظت التناقض الواضح بين ما رأيته صباحاً وما أراه داخل هذه المركبات وفكرت كثيراً فى الآمال والطموحات المعقودة العاملين والعاملات فى تنفيذ وزيادة الطاقة الإنتاجية الصناعية ومغادرتهم لمنازلهم قبل الفجر والعودة بعد العشاء ذهاباً وإياباً التلبية مطالب أسرهم وانبهرت بضحكاتهم وابتساماتهم بالرغم من عودتهم بعد عناء السفر والعمل بالمصانع وعند وصولى للقرية تفحصت فى وجوه المشاركين بالعزاء وأجسامهم غير الرياضية ولاحظت وجود ابتسامة ورضا واضح على وجوههم .دار فى ذهنى تساؤل: هل تستغنى الدولة المصرية والشعب المصرى عن مجهودات الطبقتين؟ وهنا أجبت نفسى بأن الدولة المصرية لا يمكن أن تستغنى عن المشاركة الإيجابية من كل طبقات الشعب المصرى لتحقيق النمو الاقتصادى من خلال زيادة الطاقات الإنتاجية الصناعية والزراعية وتأهيل العنصر البشرى المصرى وامتلاكه العلوم والتكنولوجيا الحديثة سواء لقاطنى الأحياء الراقية فى القاهرة والإسكندرية أو قاطنى القرى والنجوع فى المحافظات الإقليمية.. الكل لابد أن يشارك ولابد من الحد من هجرة العقول المتميزة وذات المستوى الاجتماعى والمادى العالى للخارج واستمرارهم داخل الدولة المصرية لتحقيق الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادى وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة بحلول عام 2030.