بعيدا عن سطحية وضحالة ورداءة الإجابات والردود المتعددة عما أثارته كتائب التشكيك وعصابات التشويه من أسئلة وتساؤلات حول أهمية القصر الرئاسى الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة وفقا لما أسماه البعض زورا وبهتانا بفقه الأولويات، بعيدا عن هذه المبارزات بين الحق والباطل، وتجاوزا عن تلك الدفاعات الخجولة عن الواجب رغم أنه واجب، والدفاع الشرس عن الباطل رغم أنه باطل، واتساقا مع ما أؤمن به واراه حقا وصدقا ويقينا وواجبا، أشير إلى النقاط التالية والتى تمثل حاصل جمع ما يدور فى رأسى ووجدانى حول هذا الموضوع والذى ينسحب على غيره من الموضوعات ذات الصلة.
بيد أن القاهرة تلك العاصمة التاريخية العظيمة والتى يعود تاريخها إلى نشأة مدينة أون الفرعونيّة والتى أطلق عليها هليوبوليس أو عين شمس، أما القاهرة بطرازها الحالى فترجع إلى تاريخ الفتح الإسلامى لمصر عام 641م على يد عمرو بن العاص وإنشائه مدينة الفسطاط ثم شيد العباسيون مدينة العسكر ثم أحمد ابن طولون مدينة القطائع وصولا إلى دولة الفاطميين الذين شيدوا العاصمة الجديدة بقيادة جوهر الصقلى فى عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى عام 969 م والذى أطلق عليها القاهرة، هذا يعنى ان عمر القاهرة الحالية 1055 سنة، والذين خططوها وبنوها ليسوا مصريين! وهنا نجد انه ومنذ عصور الفراعنة حينما كانت العاصمة «تجينو» مرورا بطيبة وصولا إلى الإسكندرية هناك حوالى 15 مدينة اتخذت كل منها عاصمة فى حقبة من الحقب الزمنية، اما آخر أربع عواصم منذ الفتح الإسلامى فبناها وشيدها غير مصريين، كما أن قصور الحكم ومقارها كانت قد شيدت وفق ثقافات ومرجعيات معمارية غير مصرية، فالناظر إلى قلعة صلاح الدين وقصور محمد على والأسرة العلوية مثل القبة وعابدين والاتحادية ورأس التين وغيرها جميعها مستقاة من الثقافات التركية والغربية، لقد غابت الثقافة والفنون المعمارية المصرية عن كثير من القصور التى تتخذ مقار لإدارة شئون الدولة، بيد أن فكرة عودة «الهوية المصرية» كانت معركة مفصلية ومبدأية للرئيس السيسى وهو يعيد صياغة شكل الدولة الوطنية.
الوعى والإدراك والفهم الصحيح والعمل والإنجاز والصبر كانت أسلحة الرئيس وهو يبنى ويتحمل صعابا مريرة، كانت نداءات الرئيس للناس مختلفة، لم يستخدم التعبير الكلاسيكى «أيها المواطنون» أو «بنى وطني» وإنما كان استخدامه لمفردة «المصريين» كان إلحاحا مقصودا لإيقاظ الشعور الوطنى المصرى وترسيخ قيم الانتماء إلى مصر، وكانت فكرة الجمهورية الجديدة وعاء ضخما يضم كل أحلامنا الوطنية، وكانت العاصمة الإدارية الجديدة التى كنت أحلم بأن نطلق عليها «طيبة» هى الرمز الحقيقى لوجود حقبة جديدة ومشروع وطنى جديد، هذه العاصمة هى اول عاصمة يبنيها المصريون منذ عصور الفراعنة كما أوضحنا من قبل، عاصمة مصرية بسواعد مصرية بقرار مصرى من زعيم مصري، وجاء القصر الرئاسى ليكون أول مقر للحكم انشأه مصريون وفقا للثقافة المعمارية المصرية والذوق المصرى الرفيع، فكل القصور الموجودة الحالية المحترمة والتاريخية شيدها غير مصريين، فالاتراك حينما يزورون مصر ونستقبلهم فى أى قصر رئاسى ستحدثهم أنفسهم ان اجدادهم العثمانيين أو اتباعهم من الأسرة العلوية هم الذين شيدوه ويقتصر دور المصريين على الاستخدام فقط، لكن النظرة التى أراها تستحق الاهتمام والانتباه هى محاولة الرئيس «تمصير الوعي» من خلال «تمصير العمران» وإعادة صوغ الهوية البصرية المصرية، من هنا أقول- مؤمنا- ان العاصمة الجديدة والقصر الجديد يمثلان معا صفحة جديدة لمصر مستقلة ثقافيا وفكريا حيث يبدأ ذلك كله من خلال الهوية العمرانية المصرية.