فى مصر نجح عدد من مهندسى الذكاء الاصطناعي وعلى رأسهم محمد الديب باحث ومهندس وحاصل على دكتوراه فى تطوير الذكاء الاصطناعى من جامعة غنيت ببلجيكا مع فريق من زملائه فى تفعيل مبادرة لتلوين أكثر من 80 فيلماً من أفلام الأبيض والأسود ، لمحاولة استقطاب جماهير كثيرة لا يجذبها اللونان الأبيض والأسود فقط، وبدأ بتلوين فيلم « غزل البنات» بطولة نجيب الريحانى وليلى مراد وأنور وجدى ويوسف وهبى وعدد آخر من الأفلام منها «ابن حميدو» و «إسماعيل ياسين فى الجيش» «وتمر حنة» و»قصر الشوق» وعدد آخر من المسرحيات والحفلات الغنائية التى أنتجت فى مصر من عام 1937حتى 1973 بطولة عدد كبير من نجوم ونجمات زمن الفن الجميل.
يقول محمد الديب لـ «الجمهورية» إنه من عائلة فنية فهو حفيد الفنانة جمالات زايد وزوجها الفنان الراحل محمد الديب، وكان لديه فضول ورغبة فى رؤية أفلامهما الأبيض والأسود بالالوان، وخاصة عندما لاحظ اهتمام واشتياق رواد مواقع التواصل الاجتماعى لبعض الصور الملونة التى كان يتم عرضها لبعض نجمات ونجوم زمن الفن الجميل القدامى كرشدى أباظة وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ويوسف وهبى وهند رستم وأمينة رزق وإسماعيل ياسين وغيرهم فقرر الحصول على دكتوراه فى تلوين الأعمال الفنية عن طريق الذكاء الاصطناعي، وبعد الحصول على الدكتوراه مباشرة استعان بفريق عمل من مهندسى الكمبيوتر المتخصصين فى الذكاء الاصطناعى للبدء فى إحياء التراث ، وتقديمه بشكل جديد عن طريق مبادرة التلوين حتى يستقطب إليها جمهورا جديدا من الأجيال الجديدة وصغار السن، الذين لا يروق لهم أحيانا مشاهدة الأعمال الفنية غير الملونة ، وهى فكرة ليست بجديدة فقد كانت تتم فى الماضى بطريقة بدائية يدوية تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا للانتهاء من تلوين أكثر من 200 صورة هى عدد الصور فى الفيلم.
ومع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعى نجح الديب وزملاؤه فى تقليص المدة الزمنية لتلوين الفيلم عن طريق نموذج الذكاء الاصطناعى إلى ثلاثة أسابيع فقط لا غير وهى فترة ترميم الفيلم القديم أولا ثم تلوينه بعد ذلك.
مشكلة الأفلام التاريخية
ويشرح الديب كيفية استخدام الذكاء الاصطناعى فى التلوين بقوله : بينما يتمكن الإنسان من تمييز حوالى عشرة ملايين لون، فقد تم تغذية الكمبيوتر بنموذج ذكاء اصطناعى يميز خمسين ألف لون ، بالإضافة لبرامج تعلمه رؤية الصور الأبيض والأسود وما يقابلها من ألوان أخرى باستخدام خوارزميات متطورة جدا، تنجح فى ترميم الأفلام ثم تلوينها بدقة متناهية تتلافى عيوب النماذج السابقة التى كانت تتعامل مع الصورة متجاهلة اختلاف ألوان البيئة المصرية عن البيئات المختلفة فى العالم ، فتظهر الألوان اقل دقة واضعف جودة ، وبها أخطاء فى التلوين فتظهر الطربوش فى الأفلام القديمة مثلا باللون الأزرق أو الأسود فى حين أن لونه فى مصر كان الأحمر، وهو ما تم تلافيه بتغذية الكمبيوتر بنموذج احدث من الذكاء الاصطناعى الخاص بالبيئة المصرية فقط لا غير ، كما استطاع التغلب على صعوبة تحويل لونى الأبيض والأسود الخاص بأزياء وملابس مشاهد الأفلام التاريخية التى كانت ذات طابع مختلف عن ألوان الأزياء الحالية فأضافت عليها طابع الحداثة بما لا يتناقض مع ألوان الأزياء الحقيقة فى الحقبة التى كانت تدور حولها أحداث العمل الفني حتى أن البعض كان يظن أنها الألوان الحقيقة للعمل.
وبعد نجاح فكرة تلوين الافلام وعرضها وتحقيقها ملايين المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعى تواصل النجاح عبر عرضها على بعض القنوات الفضائية الآن.
وقد انتهى فريق العمل حتى الان من تلوين 80 عملاً فنياً قديماً منهم 60 فيلما قديما والباقى مسرحيات مثل «مدرسة المشاغبين» وغيرها، ولكن ما زالت عقبة حقوق الملكية الفكرية للعمل قائمة ضد فكرة تلوين الافلام ، فمعظم هذه الحقوق مملوكة لشركات إنتاج كبرى ،إلا إن بعض الأعمال مرفوعة على بعض قنوات اليوتيوب ،وحقوقها تعود لمن رفعها على قناته، فيتم تلوينها ورفعها مجددا على اليوتويب فى حالة سماح المسئولين عن الموقع بذلك ، أو تحميلها على الصفحات الخاصة بالديب وزملائه على الفيس بوك، وبالطبع فان المكسب المادى يعود فى كل الأحوال للشركة المالكة للعمل وليس لفريق التلوين.
وأحيانا يرفض موقع اليوتيوب الشهير مشاركة الفيلم أو بثه ، فيقوم الديب بحذفه والاكتفاء برفع مقطع غنائى ملون منه، وحاليا يقوم دكتور الذكاء الاصطناعى بالتواصل مع الشركات المالكة لحقوق الملكية الفكرية لإقناعهم بعرض الأفلام التى يتم تلوينها على قنواتهم الفضائية الخاصة ، ليشاهدها أكبر عدد من الجماهير فى أنحاء الوطن العربى والعالم . ونجح الاقناع.
فتواصل حاليا بعض القنوات الفضائية عرض نسخ الافلام الملونة بالفعل.
واختلفت آراء النقاد والجماهير حول جدوى واهمية تلوين الافلام العربية القديمة.
فيقول الفنان والمخرج القدير عادل مراد إنه يعارض تماما فكرة تلوين الأفلام لأنه يشكل اعتداءً صارخاً على التراث ومحاولة متعمدة لتشويهه مؤكدا ان جمال الأعمال الفنية للزمن القديم فى كونها أبيض واسود مثل اللوحة الفنية القديمة التراثية التى إذا ما حاولنا تطويرها أو تلوينها فسوف تفقد قيمتها الحقيقة وتتحول الى ما يشبه العبث فأنا شخصيا ومثلى الكثيرون لا يطيقون مشاهدة اسماعيل ياسين او عبد الفتاح القصرى او راقية ابراهيم وغيرهم بالألوان.
ويتفق صلاح منصور مدير مجموعة دور عرض احدى الشركات السينمائية الكبرى مع المخرج عادل مراد ويضيف ان تلوين الافلام سيهدم ذكرياتنا الحلوة مع هذه الافلام والاعمال الفنية عامة ولا اعتقد ان تلوينها سوف يجذب قطاعاً عريضاً من الجماهير لا سيما جيل السبعينيات والستينيات وحتى الثمانينيات ولا حتى الاجيال الحالية فجمال ذهب مع الريح ولاشين وريا وسكينة وغيرها من الافلام القديمة فى كونها قديمة ومن يحاولون تلوين الافلام مثل من يقوم باضافة اصباغ والوان على التماثيل الموجودة فى المتحف المصرى مثلا وهذه حلقة جديدة من مسلسل العبث.
اما خالد عبد القادر الناقد الفني فيرحب بفكرة تلوين الافلام مؤكدا انه لا مانع من تلوينها شريطة ان يتم الاحتفاظ بالنسخة الاصلية غير الملونة لأن هذا سوف يستقطب الاجيال الجديدة التى هجرت الابيض والاسود تماما ويجعلها تتابع عدداً كبيراً من الافلام والمسرحيات القديمة التى اعرضوا عنها لأنها غير ملونة.
أول محاولة لتلوين الأفلام كانت عام 1895، تمت يدويا لمشهد استعراضى مدته 45 ثانية فى فيلم بعنوان نبيل سربونتنكس ، ثم بدأت تجارب تلوين الأفلام عالميا يدويا عام 1902 فى مختبر اليازبيث تويلير للتلوين فى باريس ، والتى كانت ملونة لمنتجات الزجاج فأدارت استوديو يضم 200 شخص يرسمون بالفرشاة مباشرة على الأفلام الخام لتلوينها باستخدام حوالي 20 ألف لون ، ونجحوا فى تلوين 60 نسخة من فيلم تسجيلى بعنوان رحلة إلى القمر، تلاه تلوين أفلام أخرى مثل الرحلة المستحيلة وحلاق اشبيلية ومملكة الجينات ، بينما نجحوا أيضا فى تلوين أول فيلم روائى طويل بعنوان المعجزة عام 1912، وظل استخدام التلوين اليدوى حتى عام 1924.
وفى كوريا الجنوبية تم تطوير طريقة التلوين فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ، عندما أعيد توزيع أفلام الأبيض والأسود الكرتونية بتى بوب ومكى ماوس بالألوان عن طريق شف الإطارات الأصلية بالأبيض والأسود على سليلوينات جديدة للرسوم المتحركة ثم إضافة الألوان للسيلولينات الجديدة ، كما تم تلوين فيلم قصة البحر الملون بتقنية تسمى التكنيوكولور التى ابتكرت عام 1916 فكانت أكثر تطورا من حيث استخدام حزم الضوء وظل العلم ، وظلت مستخدمه فى التصوير السينمائى حتى 1952، وأول فيلم تم تلوينه عن طريقها بعنوان الخليج.
وكانت كل محاولات التلوين غير جيدة بالشكل الكافى من حيث طبيعة الألوان ،وانسجامها ودقتها وواقعيتها ، حتى بدأ الرضا يظهر جليا مع فيلمى الساحر اوز، وذهب مع الريح ، حيث تميزت الألوان بالدقة والانسجام والتناغم عام 1939 ، وكان يتم تلوين الأفلام فى غرف سرية قبل الحرب العالمية الثانية خشية افتضاح أمرهم ، وتحول السر لعلانية بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، ويؤكد المؤرخون أن أول مشهد تم تلوينه لأغنية الاثنين التى غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب فى فيلم لست ملاكا عام 6491.
وبعدها توالى إنتاج أفلام مصرية تم تلوينها فى باريس ، وهى بابا عريس بطولة نعيمة عاكف وشكرى سرحان عام 1950، وفيلما نهاية قصة، والحب فى خطر إنتاج الفنان محمد فوزى ولسوء الحظ احترقا فى الطريق من باريس إلى القاهرة ،و فيلم دليلة بطولة الفنانين عبد الحليم حافظ، و شادية، وبعد حرب أكتوبر عام1973 أصبحت الألوان سائدة فى كل الأفلام المصرية تقريبا.
أفلام الزمن الجميل بالألوان
بينما كان يتم تلوين الصور العادية بتنقية تسمى اوتوكروم لومير والتى ابتكرها الأخوان الفرنسيان اوغست ولويس لومير عن طريق استخدام «ويا للغرابة» نشا البطاطس فى التلوين بتغطية قرصين زجاجيين بطبقة رقيقة من البطاطس مصبوغة بألوان الأحمر والأخضر والأزرق لإعداد فلتر ثم تضاف طبقة حساسة تسمى مستحلباً وتعرض للضوء ويتم طبع الضوء المنعكس بالألوان على نشا الصورة وبعدها تطور تلوين الأفلام عام 2004 عن طريق التقنية الرقمية وأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعى .