بمناسبة مرور نصف قرن على رحيل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين حضرت مؤتمرًا تأسيسياً لمنظمة «تكوين» المعنية بتجديد الفكر العربى والتى اختار القائمون عليها ان تنطلق أولى فعالياتها «مكانيا» من المتحف المصرى الكبير الذى يضم بين جنباته توثيقا لتاريخ البشرية وتراكم الحضارات الإنسانية، وزماننا ذكرى رحيل رائد التجديد وداعيته الأجرأ فى العصر الحديث «د.طه حسين» الذى واجه منفرداً عصراً من الظلامية وجمود الفكر، كان الحضور نخبة من المفكرين والمثقفين الذين يتصدون لقضايا تجديد العقل العربى بشكل عام ومن زوايا متعددة، لن أذكر الأسماء والقامات الفكرية التى حضرت وشاركت فى تلك المناقشات من مصر ومن معظم الدول العربية لأنهم كثر، لكننى أركز على «الفكرة» ودلالاتها المكانية والزمانية، فى ظنى أن اختيار ذكرى رحيل الدكتور طه حسين لاطلاق الفعالية وانطلاق المؤسسة يعنى أن هناك محاولة جديدة وجادة لاستكمال مسيرة عميد الأدب العربى طه حسين والذى ألقى حجراً ضخماً فى بحيرة الجمود والرجعية، بالطبع كانت هناك محاولات عديدة ومستمرة وممتدة بعد طه حسين لكن وللتاريخ فقد فشلت كل تلك الجولات الفكرية فى إحداث تغيير حقيقى فى دوائر التفكير الحر والعقل العربي، والدليل على هذا الحكم الشخصى هو التمدد والصعود الذى شهدته المنطقة العربية لتيار الإسلام السياسى والذى وصل بهم إلى قمة هرم السلطة فى بعض الدول العربية وعلى رأسهم مصر، بيد أن هناك حرباً ضروساً ممتدة ومشتعلة بين دعاة التفكير ودعاة التكفير والتى يكون المستهدف فيها هو
«المجتمع» بكل فئاته وتياراته، بيد أن دعاة التكفير نجحوا فى افساد مياه النهر وألقوا فيه بضاعتهم التى لوثت المياه ولونتها بألوان سرابية غريبة، فى تقديرى أن ما تحقق لهؤلاء من نجاحات كان فى ظل غياب وتشرذم المصلحين والمجددين والمفكرين، كانوا غائبين رغم وجودهم وكانوا مشرذمين رغم تجمعهم على طاولة واحدة، لقد كان يجمع دعاة التجديد مجرد.
«رغبة» فى التجديد دون أن يكون هناك منهج موحد وبرنامج محدد وأدوات قوية، فى نفس الوقت الذى كنا نرى الفريق التكفيرى منظماً وموحداً ومحدداً أدواته بعناية فائقة، وكانت نتيجة تلك الهزيمة التى منى بها المجددون وتسببت فى تمكين الراديكاليين هو تدخل الدول لإنقاذ المجتمعات عن طريق استخدام قوى غير ناعمة فى مواجهة هؤلاء إنقاذاً للدولة الوطنية وحفاظاً على ثوابتها، لذلك نحن فى أمس الحاجة إلى هؤلاء المجددين المفكرين المثقفين لكن بصورة مختلفة وسياق مختلف حتى لا تصل إلى نفس النتائج السابقة وهى الهزيمة.