دائمًا ما تعطى الدولة المصرية رسائل قوية وقاطعة في الوقت المناسب، تعبر عن قوتها وصلابة مؤسساتها، وهذه المرة جاءت الرسالة من قلب مجلس النواب وعلى لسان المؤسسة الدينية التي حاولت الجماعة الإرهابية ومن على شاكلتها من المتربصين بمصر أن يصوروها على أنها على خلاف، وأن الأزهر فى اتجاه وباقي مؤسسات الدولة في اتجاه آخر بما فيها الأوقاف..
وكان النقاش داخل مجلس النواب حول مقترحات قانون تنظيم الفتوى فرصة لهؤلاء لمحاولة صناعة فتنة مجتمعية وتصدير صورة كاذبة بأن هناك صراعا محتدما داخل المؤسسة الدينية، ومعركة حول القانون، لكن ضرية المؤسسة الدينية كانت قاضية لهؤلاء من المؤكد أن كل قانون جديد يفرض نقاشا ومن الطبيعي ان يكون هناك خلاف أيضا، وهذا هو ما يضمن إنتاج قوانين معبرة وموضوعية وليست في اتجاه واحد، ولهذا فالنقاش بين الأزهر والأوقاف والافتاء داخل البرلمان حول قانون الفتوى لم يكن صراعا ولا معركة كما صوره هؤلاء وإنما كان اختلافا إيجابيا حول بعض المواد حرصا من كل الأطراف على الوصول إلى الأفضل وما يحقق المصلحة العامة وأن تكون المواد أكثر وضوحا وتحديدا، وكان نقاشًا حرًا لم تتدخل فيه أي مؤسسة أخرى من الدولة، حتى تم التوافق على الشكل النهائي للقانون والموافقة عليه بالأغلبية وقال وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني إن المشروع بعد هذا النقاش والتوافق على النقاط الخلافية يعد طفرة غير مسبوقة في تنظيم الفتوي، وأكد الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف أن خير من يمثل المؤسسات الدينية هو الأزهر.
هكذا خرجت المؤسسة الدينية بالأفضل وقدمت بنقاشها الجاد بالتعاون مع اللجنة الدينية بقيادة العالم الدكتور على جمعة قانونا يليق بمصر بعد طول انتظار ليقضى على فوضى الفتاوى التي أرادت جماعات التطرف وهواة الفتن أن تغرق فيها.
قدمت المؤسسة الدينية صورة ناصعة المؤسسات الدولة في نقاشها الموضوعي الراقى وتكاملها وتوافقها الوطني لتخرس الألسنة المتطاولة وتقطع الطريق على من كانوا يريدون أن يتحول القانون إلى أزمة. والنقاش إلى معركة.
وهنا لابد أن نسجل عدة ملاحظات تمثل انطباعات شخصية لكن أعتقد أنها تلخص الصورة الحقيقية التي يتعامى عنها هؤلاء المرضى..
- الأولى: إن الدولة والقيادة السياسية تحترم وتجل المؤسسة الدينية وحريصة على دعمها لأداء دوريها الوطني والديني بالشكل الذي يليق بقيمتها ومكانتها الكبيرة فى العالم الإسلامي كله، وكأحد أهم أعمدة القوة الناعمة المصرية.
- الثانية: إن الجميع الدولة ومؤسساتها المختلفة داعمون المشيخة الأزهر باعتباره رمز المؤسسة الدينية والمرجعية التي تذهب إليها في كل ما يخص الأمور الدينية، ومن يتابع الفترة الماضية ويرصد اللقاءات المستمرة بين الوزراء ومسئولى مؤسسات الدولة المختلفة مع شيخ الأزهر سيدرك معنى التكامل والتعاون الذي يستهدف المصلحة الوطنية بعيدا عن المزايدات والأكاذيب التي يروجها البعض لهدف خبيث.
- الثالثة: إن العلاقة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء ليست كما يصورها الكارهون المصر ومؤسساتها على إنها علاقة صراع وخلاف، وإنما هي علاقة حوار وتكامل من أجل المصلحة العامة، والجميع أبناء الأزهر جامعا وجامعة، وكل قيادات المؤسسة الدينية ينظرون إلى الأزهر باعتباره رمزا لهم وبيتهم، وإلى شيخ الازهر باعتباره كبير المؤسسة الدينية. وهذا يأتى فى إطار تقدير الدولة للإمام الأكبر.
- الرابعة: إن قانون مثل تنظيم الفتوى لم يكن ممكنا أن يمر دون نقاش واختلاف ومقترحات متعددة، فهو قانون يمس الناس وينظم مسألة غاية في الخطورة وتمثل عند عموم المصريين أمرا مقدسا ولهذا فكل كلمة في القانون كان من الواجب مناقشتها بدقة وعمق، والاستماع إلى كل الأفكار والمقترحات حولها، وصولا إلى التصور الأفضل، وهذا ما حدث بكل محبة ومودة ورغبة في صدور قانون جيد.
- الخامسة: إن الاختلاف في وجهات النظر حول القضايا ليس معناه خلاف شخصي أو صراع بل هو اختلاف من أجل المصلحة العليا التي يسعى اليها الجميع رغبة فى الأفضل، وليس هناك أدل من اختلاف الفقهاء كنموذج نضرب به المثل في قيمة وأهمية الاختلاف وانه رحمة وسعة.
- السادسة: إن الأزهر، بإمامه ورجاله، ليس منفصلا أو بعيدا عن الدولة بل هو واحدة من مؤسساتها التي لها دور وطنى ينضوى تحت رايتها ويسير وفق ثوابتها ولا يخرج عنها. إذا فليكف المتربصون عن بث سمومهم ويتوارون خجلا فهم لا يدركون أن الدولة المصرية مترابطة متماسكة بكل مؤسساتها.