حينما توجه وفد من بعض أساتذة الجامعات وكبار المهندسين لإحدى الدول الأفريقية بمنتصف ستينات القرن الماضى لبيع جرارات القطارات التى تعمل بالفحم لها تفاجأ الوفد خلال جولاته بها باستخدامهم جرارات حديثة تعمل بالسولار فعاد الوفد دون حتى مفاتحتهم بسبب القدوم، وهو ما لمسناه بعد ذلك من تطور عالمى سريع فى مختلف المجالات.
وهو ما يدعونا عند إقامة أى مشروع صناعى أو حتى غير صناعى بألا يتوقف الأمر عند الحصول على رخصة إنتاجه لجهاز أو مركبة مثلا لأن طرازات السيارات كمثال تتطور وتتحسن من سنة لأخرى وكذلك الأجهزة بل والأدوية وكذا الخامات أو المعادن.
فمصنع الحديد والصلب الذى تم إنشاؤه منذ أكثر من نصف قرن توقف إنتاجه عند حدوده الابتدائية بإنتاج الحديد الغفل أو الزهر أو حتى الإنشائى كحديد التسليح بينما كان الواجب اتساع وتعميق الإفادة من تلك النواتج بدعمها بإضافات أو تقليص ما بها من أخرى بأفران أخرى وعمليات إضافية كأفران بسمر وغيرها لكى نحصل على منتجات ذات قيمة أفضل وسبائك أعلى وأثمن تصلح كخامات للعديد من المنتجات الصناعية الأخرى مستفيدين بالخبرات العلمية لمعهد كالتبين مثلاً.
وهو نموذج للاهتمام عند إنتاج المعادن كالنحاس والألومنيوم وحتى اللدائن ليس بالتوقف عند الحلل وأدوات المطبخ بل والتعمق فيه لإنتاج الديور ألومنيوم وغيرها من الخامات، واستغلال الشراكة الأوروبية أو الاستثمارات الصينية بالسخنة بالتوسع بعد إنتاج الصلب المدرفل على الساخن لإنتاج يغطى مجالات إضافية أخرى، بينما يغطى العمق الفنى الكهربى التطور فى صناعة الأجهزة الكهربية، فعمق التصنيع للخامة أو المنتج يرفع من قيمته المضافة والكلية لينعكس على توفير عملة صعبة أكبر وارتفاع العائد.
ومتابعى زيارات الرئيس ورئيس الوزراء يلحظ الاهتمام بالسؤال عن القدرة على تعميق التصنيع لأى منتج لإمكان تذليل أى صعوبة تعوق تحقيقها.
> > >
أثرياء الأزمات
تتبعت بعض دول الحرب العالمية الثانية بعد انتهائها من أثروا على حسابها وبطرق غير مشروعة واعتبرتهم أغنياء حرب ومتاجرين بأزمات بلادهم، وكوننا الآن فى مرحلة بناء كبيرة لبلدنا فمن الواجب الانتباه لفئات متنمرة لثغرات أزماتنا للتربح من ورائها وبطرق مختلفة، ليرتفع ثراءها بلا جهد أو بالتحايل أو باستغلال ثغرات القوانين العقيمة، علماً بأن الباحث عن المستقبل الاقتصادى لأى دولة كمستثمر مثلاً يفتش أولاً عن النسبة الأكبر من أموالها فى أى أيدى أو بأى حسابات، فإذا كانت بأيدى هؤلاء وفى ظل تشريعات بالية أو عمياء مثلا فلا أمل يرجى لتقدمها أو للاستثمار فيها، أما لو كان معظمها بأيدى منتجين بالزراعة أو الصناعة أو حتى بالصيانة الصادقة أو السياحة مثلاً فيتوقع لها مستقبلاً مشرقاً.
ولأننا بظل إنجازات مبهرة بكافة المجالات والأرجاء فأبسط مبادئ الحفاظ عليها وعلى مصرنا الحبيبة أن ننتبه للأيدى العابثة بها والهادمة لمنجزاتها ولو بطرق غير مباشرة كالادعاءات والأكاذيب والأثراء بلا كد حقيقى كالاتجار فى العملة الصعبة أو المخدرات أو التربح بجشع فى أى تجارة.
فلا يعقل مثلاً تربح تاجر جملة أو قطاعى أو وسيط من زرعة فلاح فى يوم ما بأكثر أو حتى بمثل ما اجتهد فيه المزارع على مدار عدة أشهر لهذه الزرعة خلاف عمليات الرى والتسميد وغيرها، أو تقدير سعر متر بالوحدة السكنية بمشروع فى الصحراء بمئات الآلاف خلاف المبانى والمرافق وهو ما كشفت عنه الحملة البورسعيدية لمقاطعة جميع أنواع الأسماك والأحياء المائية بعد وصول أرباح التجار الكبار لأكثر من أربعمائة فى المائة من ثمن السلعة وليتها تتم لتحجيم ارتفاع نسب التربح للعديد من الأدوات والأجهزة واللوازم المعيشية لقرابة المائة فى المائة، وهو ما يعمل على تولد فئات رأسمالية أبشع من تلك التى كانت قبل ثورة يوليو، وعلى حساب إفقار الطبقة الوسطى واتساع دائرة المعوزين.