فى ظل حالة التضخم وارتفاع الأسعار التى نعيشها الآن فى معظم دول العالم الإسلامي- وليس فى مصر وحدها- علينا أن نتخذ من تعاليم وتوجيهات ديننا ما يعيننا على المواجهة والحياة المعتدلة اقتصاديا وتبنى سلوكيات اقتصادية رشيدة تعيننا على حياة مستقرة فى حدود ما يتاح لنا من دخل وموارد اقتصادية محدودة.
وشهر رمضان المبارك لم يرده الخالق سبحانه وتعالى شهر تقتير وحرمان للنفس والأهل مما أحله الله عز وجل.. كما لا يمكن أن يكون شهر بذخ وانفاق مضاعف كما هو الآن فى حياة كثير من المسلمين.. وبحسبة الاقتصاديين فنحن نوفر وجبة غذائية يومية طوال شهر رمضان ومردود هذه الوجبة حسابيًا أننا ننفق خلال شهر رمضان ثلثى ما ننفقه فى غيره من شهور السنة.. لكن فى الواقع نحن ننفق فى رمضان أضعاف ما ننفقه فى غيره من الشهور.. وهذا هو الخلل الموجود فى حياتنا والذى يؤثر حتما على أحوالنا الاقتصادية.
تألمت كثيرا عندما قرأت إعلانًا كبيرًا على أحد المتاجر أنهم يقدمون ياميش رمضان بالتقسيط على 6 شهور بدون فوائد وبضمان البطاقة الشخصية وتساءلت: ما الذى يدفع رب أسرة الى شراء سلعة كمالية فى رمضان بالاستدانة؟ وماذا سينقصنا لو قضينا رمضان بدون ياميش أغلبه مستورد واسعاره مرتفعة جدا؟ وهل أجر وثواب شهر رمضان لا يكتمل إلا بالياميش المستورد باهظ الثمن؟
للأسف: إنها التقاليد البالية التى لم يعد لها مكان فى حياتنا المعاصرة.
>>>>
فى رمضان.. علينا أن نأخذ القدوة والمثل من رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والاستفادة من توجيهاته خاصة ما يتعلق منها بالسلوك الاقتصادى الرشيد، فهى النموذج الأمثل لما ينبغى أن يكون عليه المسلم فى حياته كلها، فرسولنا العظيم لم يكن مقترا ولا مسرفا، بل تجسد فى سلوكه وتوجيهاته التوسط والاعتدال الذى جاء به القرآن الكريم.
كان السلوك الاقتصادى لرسول الله «صلى الله عليه وسلم» ومعه زوجاته الفضليات قمة الرشد والاعتدال، فقد كان دائما يتمثل قول الحق سبحانه:» والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» وقول الله تعالى: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» وقوله تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا» فهذه الآيات الكريمة ضبطت سلوك الرسول الاقتصادى فى رمضان وفى غير رمضان، وبالتالى جاءت توجيهاته الكريمة تجسد هذا المنهج القرآنى المعتدل.
فالرسول لم يقبل التقتير فى الاستهلاك وهو يعنى: الوقوف بحجم الاستهلاك عند حد أقل من الحجم اللازم للوفاء بضرورات الحياة، مع القدرة على الوفاء بها، وهو سلوك محرم، لأن الإسلام يهدف إلى إشباع الحاجات الحقيقية للفرد والمجتمع ، فالله سبحانه تعالى وهو المشرع ما يصلح عباده ويحقق الاستقرار والأمان الاقتصادى لهم يقول: «يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»، فقد أمر الإنسان بأخذ زينته كما أمره بالأكل والشرب، فإن لم يفعل كان مخالفا للأمر بالأكل والشرب وأخذ الزينة.
>>>>
عدم الاعتدال فى الاستهلاك هو صلب المشكلة بالنسبة لكثير من الأسر المصرية وهو السبب فى الاستدانة سواء فى رمضان أو غير رمضان .. ولو اتبعنا منهج ديننا لاستقرت حياتنا الاقتصادية حتى ولو كنا من محدودى الدخل.. ومن نصوص القرآن الكريم وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم ندرك أن هناك حدا أدنى من الاستهلاك هو الذى يقوم بالشخص ويفى بحاجاته وحاجات من يعول ولا يصح أن يعيش الفرد تحته طالما أنه قادر على تحقيقه، فإن فعل فقد ارتكب إثم التقتير.
>>>>
خلاصة ما وجهنا إليه ديننا من سلوك اقتصادى فى رمضان تتلخص فى كلمة واحدة وهى «الاعتدال» والاعتدال يعنى: عدم الإسراف.. وعدم التقتير.
أما ضابط «عدم الإسراف» الذى علمنا إياه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كمقوم من مقومات الرشد الاستهلاكى يعنى: عدم تجاوز الحد فى الإنفاق الاستهلاكى مطلقا، أو التجاوز فى الإنفاق على غرض دون غرض، أى الإخلال بالتوازن فى الإنفاق على مختلف الأغراض، فالإسراف فى مضمونه الاقتصادى يعنى تجاوز الحد فى استهلاك المباحات، والاستجابة لرغبات النفس، ويخرج بالشخص عن حد الاعتدال والتوسط.. والإسراف محرم فى الإسلام لنفس الأسباب التى حرم من أجلها التقتير فكلاهما ظلم للنفس وتحطيم لقدراتها.