الحديث عن تطوير المحتوى والمضمون والخطاب الإعلامي، حديث طويل ومتجدد، ويجب أن يفضى ويؤدى إلى رؤية متكاملة تتسق مع التحديات المعاصرة التى تواجه الدولة المصرية فى الداخل والخارج، وتسفر عن بناء وعى حقيقي، والحفاظ على ثوابت وقيم المجتمع المصري، وتصون الهوية المصرية، وتؤدى إلى الارتقاء بالذوق العام، وتشكل الوجدان وتساهم فى بناء مقومات الدولة الحديثة وترسخ الولاء والانتماء للوطن وتتصدى لحملات الغزو الثقافى والثقافات الغربية والشاذة على مجتمعنا، والحفاظ على هوية ووعى الشباب المصري، وإعلاء قيم الولاء والانتماء، وربط الإنسان المصرى بالوطن والأرض، وتعريفه بالتهديدات الخارجية والداخلية، وأيضا تعكس جهود الدولة المصرية.
بداية حتى نستطيع تطوير المحتوى الإعلامي، فإننا أمام قضية مهمة تمثل الجوهر والهدف والغاية ولابد من الحصول على رؤية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، فالإمكانيات والقدرات اللوجيستية والتكنولوجية والوسائل المختلفة للإعلام متاحة مع تطوير للشاشات، وكافة الوسائل يتسق مع العصر، لكن يبقى تطوير المحتوى والمضمون الإعلامى هو التحدى الحقيقي، مع الارتقاء بالقدرات والإمكانيات وتدريب وتأهيل الكوادر الإعلامية، وتحقيق القبول لدى المشاهدين.
تطوير المحتوى الإعلامى قضية مهمة لابد أن ترتكز على مجموعة من الأهداف الواضحة والواقعية القابلة للتطبيق.. فتحديد الأهداف، يجعلنا نعمل برؤية واضحة على خلق المضمون والمحتوى الإعلامى الذى يستطيع الوصول إلى عقول وقناعات الناس.. وأقدر الناس على وضع وتطوير هذا المحتوى لا يتمثل فى الأكاديميين وأساتذة الإعلام فحسب ولكن الأهم، هم صناع الإعلام والقائمون عليه والعاملون فيه من كوادر اكتسبت خبرات على أرض الواقع العملى ولديها القدرة على التعاطى مع متطلبات التطور وتطوير المحتوي، وصياغة الرسالة الإعلامية مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه الكوادر يجب أن تكون على إلمام واطلاع بكافة التحديات والمعرفة، بمتطلبات بناء الوعى والمجتمع، والارتقاء بالوجدان والذوق.
فى دولة مثل مصر تواجه تحديات غير مسبوقة وقضايا وشواغل وتهديدات كثيرة، لذلك فإن تطوير المحتوى شديد الارتباط بهذه التحديات ولابد أن يرتكز على تحديد مجموعة من الأهداف والغايات التى تخدم الدولة والمجتمع وتعمل على تأمين الوطن والشعب.. لذلك من المهم الوصول إلى تشخيص دقيق للتحديات التى تواجهنا والمطلوب العمل عليها من خلال أهداف واضحة وببوصلة أكثر وضوحاً.
أولاً: دولة فى حجم مصر تواجه متغيرات وتحديات وتهديدات فى الداخل والخارج خاصة أنها مستهدفة أو هى الهدف الأساسى لما يحدث فى المنطقة أو الإقليم من صراعات وتوترات ومخططات واضطرابات جيوسياسية، كل ذلك يتطلب بناء وعى حقيقى وفهم صحيح، لتحقيق الاصطفاف الوطنى والشعبى الذى يضمن الحفاظ على الدولة ودعم الموقف الوطنى للدولة فى مواجهة هذه التحديات، ويؤدى إلى الوقوف على أرض صلبة.
ثانياً: تواجه مصر حملات شرسة من الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه والتحريض ومحاولات ضرب الثقة وهى أخطر الحروب التى تواجه الدولة أى دولة، خاصة محاولات تزييف الوعي، والسيطرة على العقول وتحريكها طبقاً للأهداف المعادية المطلوبة.
ثالثاً: هناك حروب شرسة لبث الأفكار الضالة والشاذة، ومحاولات لغزو ثقافي، يسعى إلى تغيير الهوية وترسيخ سلوكيات شاذة غريبة عن منظومة القيم والأخلاق المجتمعية المصرية.
رابعاً: منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية قيادة الأمة المصرية، وهو يؤكد أهمية الحفاظ على منظومة القيم المصرية، والارتقاء بالأخلاق والوجدان المصري، لذلك فإن تأثيرات الغزو الثقافي، والانفتاح والتطور التكنولوجى فى وسائل الاتصالات، والاستباحة التى خلفها الفضاء الالكتروني، لنشر الأفكار المضللة والغريبة، والمتطرفة، والإرهاب والسلوكيات الشاذة فطبيعة الحال لها تأثيرات سلبية، فى غياب الحديث السهل البسيط الخلاق مع الشباب والأجيال الجديدة عن القيم والمبادئ والأخلاق وجوهر ومفاهيم الدين الصحيح كل ذلك ترك فراغات أدت إلى ظهور الأنانية والانتهازية، والجشع والاحتكار وغيرها من السلوكيات الدخيلة والتى نراها على أرض الواقع، تحتاج إلى المواجهة.
تطوير المحتوى عمل ليس فردياً، بل عمل جماعى فى النهاية يصل إلى تحديد طبيعة هذا المحتوى ومن يكتبه، فالجميع يجب أن يجلس على الطاولة سواء من الأكاديميين، أو خبراء ورموز مهنة الإعلام والصحافة، هو من يتواجدون فى المطبخ الإعلامى وأياديهم فى العمل، وعلى دراية وحرفية بكيفية الوصول وصياغة المحتوى المطلوب الذى يستند على مجموعة من الأهداف المحددة والواضحة، وفى ظل تحديات الدولة المصرية التى تتسم بالتنوع والتعددية فى مجالات وقضايا كثيرة سياسية وأمنية واستراتيجية ومجتمعية وسلوكية، وداخلية وخارجية، مطلوب أن يكون لكل ملف فريق عمل، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، والوضع الإقليمى والدولى وتأثيراته وتداعياته على الدولة المصرية ومواقف الدولة تجاه هذه الصراعات والأطماع والمخططات لابد أن يكون المحتوى شراكة بين خبراء الأمن القومى والاستراتيجيين، ورموز الإعلام سواء من المهنيين من أصحاب الكفاءات والمواهب القادرين على صياغة محتوى مناسب ومواكب وجذاب، ، لذلك فإن تحديد التحديات ثم الأهداف أمر مهم ومحورى ليس فقط لتطوير المحتوى الإعلامي.
نجح الفنان سامح حسين فى برنامجه «قطايف» خلال شهر رمضان لأنه وضع يده على محتوى غير موجود الناس فى حاجة إليه، لا يجدون من يحدثهم عن همومهم وتحدياتهم أو يدحض الأفكار الهدامة، دعوة للإيمان الصحيح واليقين والصلابة النفسية، والتسامح، والنقاء، هذا المحتوى اتسم بالبساطة والرقي، بعيداً عن المصطلحات النخبوية، تشعر أن أحدا من الصالحين يحدثك فى قضايا كنت تبحث عمن يناقشك فيها، وأعتقد أن سامح حسين حالة إنسانية فيها حكمة.. فهذا الفنان بات لا يمارس الفن وبداخله وجع كبير، لكنها إرادة ورسالة ربك مهما أغلقت فى وجهك أبواب البشر، وتخلى الناس عنك فإن الحل والفرج عند الله، الحقيقة أجد فى سامح حسين قيمة جميلة لليقين بأن الله موجود وأن مع العسر يسرا، وأنه من يفرج الهموم ويفك الكروب، مهما تعانقت المعوقات وأغلقت الأبواب، فالرجل لم يبث برنامجه على قناة فضائية، ولكن على منصات السوشيال ميديا لكنها وصلت إلى قلوب ملايين الناس، تلك هى حكمة وإرادة الله.