نتطلع إلى أن تكون زيارة وزير التربية والتعليم إلى اليابان خطوة جادة نحو تطوير منظومتنا التعليمية. فلا حرج فى التعلم من التجارب الناجحة عالميًا.. لا هو عيب ولا حرام.. بل يجب الاستفادة من التجارب الناجحة فى كل مكان. اليابان نفسها قامت بذلك منذ سبعين عامًا عندما أرسلت بعثات لدراسة التجربة الاقتصادية لدول متقدمة فى ذلك الوقت مثل مصر، فتعلموا ونجحوا وتفوقوا. واليوم، التعليم فى اليابان يعد من الأفضل عالميًا، بفضل الجدية، والالتزام. مما أسهم فى بناء مجتمع متماسك ومتقدم.. وأصبحوا وكأنهم يعيشون فى كوكب آخر ولعله قد يكون من المفيد أيضًا دراسة تجارب دول أخرى مثل سنغافورة، فنلندا، وماليزيا، حيث تمكنت هذه الدول من تحقيق قفزات نوعية فى التعليم عبر مناهج متطورة وطرق تدريس حديثة.
أعتقد أننا نتحدث عن ضرورة إصلاح التعليم أكثر مما نعمل لتطويره، وكأننا ندور فى حلقة مفرغة دون اتخاذ خطوات فعلية واضحة. فالسؤال الأهم: من أين نبدأ وكيف؟ ..
نحن دائما ما نركز على البحث عن الخلل فى المدارس والمدرس.. ونسينا أن ننظر تحت قدمينا.. نسينا أن لدينا فى مصر حاليا العديد من المدارس الناجحة، سواء كانت حكومية ذات إدارة مستقلة أو مدارس دولية بأنظمتها المختلفة، والتى أثبتت نجاحها وتخرج منها أعداد كبيرة تألقوا فى دراساتهم الجامعية فى مصر وخارجها وتقلدوا العديد من المناصب المرموقة.. ربما لأن لديها إدارة مستقلة وبعيدة عن التعقيدات الإدارية التقليدية ويزداد التألق كلما زاد هذا البعد.. هذه المدارس تقدم نموذجًا واضحًا يمكن الاستفادة منه دون الحاجة إلى إعادة تقييم متكرر..
أعتقد أن من أهم أسباب المشكلة الحقيقية فى المنظومة التعليمية هى القوانين واللوائح التى تحكم إدارة المدارس، والتى تعيق الابتكار والتطوير. على سبيل المثال، يُطلب من مديرى المدارس الالتزام الحرفى بالتعليمات الصادرة من المناطق التعليمية دون أى مساحة للحوار أو التعديل، حتى لو كانت تلك التعليمات غير منطقية أو غير مفيدة للعملية التعليمية.
لدينا تجربة ملموسة من خلال المشروع القومى للتثقيف الصحى لطلاب الإعدادى والثانوي، والذى بدأ عام 2009 واستمر حتى 2017، ووصل إلى نصف مليون طالب وطالبة، وحقق نتائج إيجابية وفق دراسات موثقة. ومع ذلك، لم يستمر المشروع رغم توافر التمويل، بسبب عدم الحصول على الموافقات الإدارية! وهكذا، تعطلت المبادرة وضاعت فرصة كان يمكن أن تُحدث فارقًا فى وعى الطلاب الصحى والغذائي. من الصعب الآن على أى هيئة أو منظمة أو شخص أن يقوم بتقديم أى مبادرة أو عمل ما يعود بالنفع على الطلاب داخل المدارس الحكومية.. لابد من الحصول على موافقة الوزارة نفسها.. فإذا أرادت إحدى المدارس أن تستضيف من الحين والآخر أحدى الشخصيات المجتمعية للتحدث للطلبة عن عملهم مثل رجل مطافيء.. أو ممرضة.. أو مدير بنك.. فلا بد لها من الحصول على الموافقات الإدارية والأمنية من الوزارة.. والتى قد تستغرق عدة أشهر.. رغم أن هذا التوجه أمر مفيد للغاية ومتبع فى العديد من المجتمعات التى تهتم بإكتساب الطلاب للمهارات الحياتية..
إن إصلاح التعليم لا يبدأ من المدارس فقط، بل من إعادة هيكلة النظم الإدارية والمالية التى تعرقل الأداء. نحتاج إلى تبنى سياسات أكثر مرونة وانفتاحًا، تعتمد على كوادر جديدة لم تكن جزءًا من تلك النظم العقيمة، مما يتيح مساحة حقيقية للإبداع والتطوير، ويضعنا على الطريق الصحيح نحو تعليم حديث ومتقدم. وهذا التوجه يتضح جليا من قراءة فكر القيادة السياسية والتى أوصت الأسبوع الماضى بضرورة التعاون مع القطاع الخاص والإستفادة بخبراته فى مجال التربية والتعليم.