السطور التالية تسرد حكاية شعب، فعل الغرب معه كما يفعل الآن مع شعب غزة، وهى قصة مروّعة عن إنسانية الغرب، ولماذا يُقدّم الأمريكان والألمان السلاح لإسرائيل، ثم يتحدثون عن فُتات المساعدات .
تبدأ القصة من إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية فى العالم. فى سنة 1965، وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقاً سرياً مع بريطانيا. كان الرئيس الأمريكى «ليندون جونسون»، يضع عينه على أرخبيل فى المحيط الهندي، من أجل إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية، تكون مفتاحاً إستراتيجياً للتدخل الأمريكى السريع، فى إفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وغرب آسيا. هذا الأرخبيل كان يُطلق عليه «أرخبيل تشاجوس»، ويتبع إدارياً لدولة «موريشيوس»، التى كانت خاضعة للاحتلال البريطاني. لكن على شرط أن تقبل التخّلى عن «تشاجوس» مقابل ثلاثة ملايين جنيه استرليني. ومن خلال اتفاقٍ سرّى أجَّرت بريطانيا أرض «تشاجوس»، لأمريكا لمدة 50 سنة قابلة للتمديد 20 سنة إضافية، مقابل تزويد بريطانيا بغواصات «بولاريس» الأمريكية بخصم 14 مليون دولار من ثمن الغواصة. لكن العقبة الكبيرة هناك، ان «تشاجوس» الخلابة يقطنها آلاف من البشر، الذين سوف يعترضون على تدنيس أرضهم بالوجود العسكرى الأمريكي، وما حدث كان مخيفاً ويجهله معظم شعوب العالم العربي.
ففى سنة 1968، بدأت واحدة من أكبر عمليات التهجير والقتل، برعاية أمريكية – بريطانية. والقصة يرويها الكاتب الصحفى الاستقصائى الأسترالى «جون بيلجر»، فى كتابه «الحرية فى المرة القادمة». يذكر أن: الأدميرال الأمريكى «جريثام»، والسير البريطانى «جريتباتش»، أصدروا قراراً سرياً بتطهير أرخبيل تشاجوس من السكان. طلبوا من السكان الرحيل بهدوء على متن سفن بريطانية، لكن السكان رفضوا، فبدأوا فى ترويعهم. كانوا يعلمون أن سكان تشاجوس مرتبطون بكلابهم، يعتمدون عليها فى الرعى والحراسة، فجمع الجنود البريطانيون كل كلاب الجزيرة، وأشعلوا مواقد عملاقة، وقاموا بشوى الكلاب وهى حيّة أمام أعين أصحابها، دبّ الذُعر فى نفوس الجميع، واستيقظوا فى الصباحات التالية، وإذ بالجنود الإنجليز يُخرجونهم من منازلهم، ويحرقونها بالكامل بكل ما فيها، وتركوهم فى عز العراء، منعوا عنهم الطعام والشراب، حملة تجويع، كان لابد أن يسبقها حملة إعدام لكل الثروة الداجنة والحيوانية فى الأرخبيل. وقد مات 400 شخص من سكان «تشاجوس» جوعاً. وفى النهاية بعد أن خارت قُواهم، اضطروا للإستجابة لشروط بريطانيا العُظمي. صعدوا على متن السفن البريطانية، ومن كان منهم مريضاً أُلقى به فى قاع المحيط الهندي، ومن وصل «لموريشيوس» مُنع من الحصول على الجنسية، وبقى فى الشوارع متشرداً، بعد أن كان عزيزاً وسط قومه، حتى الحق فى العمل صُودر منهم، فلم تجد فتيات «تشاجوس»، حلاً سوى الانتحار حفاظاً على أنفسهن. شعب كامل سُحق وشٌرد وطرد وقُتل، حتى تحظى الولايات المتحدة بفرصة إقامة قاعدتها العملاقة «دييجو جارسيا»، التى انطلقت منها الطائرات الأمريكية، لضرب أفغانستان والعراق عامى 2001 و2003.
حدثت هذه المأساة فى صمت شديد، فى نهاية الستينات وعندما بدأت فى التكشف للرأى العام، عُقدت لجنة سرية من وزارتى الدفاع الأمريكية والبريطانية، لحل أزمة السمعة العالمية السيئة التى سبًبها وكان الحل تقديم «مساعدات إنسانية» لبواقى «التشاجوسيين»، الذين ألقتهم السفن البريطانية فى موريشيوس، ونقل بعضهم لبريطانيا.
أطلقت حملة غسيل لهذه السمعة السيئة، فقام النواب البريطانيين بالتقاط صوراً مع أطفال «تشاجوس»، باعتبارها مسؤولية الغرب الأخلاقية لنجدة سكان تشاجوس، من الأذى الذى يتعرضون له .
يخرج الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، ومستشار ألمانيا «أولافشولتس»، ليُذكّروا العالم بأنهم حذَّروا الإسرائيليين من القتل الواسع النطاق، وأنهم على الدوام مستمرون بدعم الفلسطينيين الأبرياء. نفس الخدعة الغربية تتكرّر كل مرة بذات الطريقة، القتل واسع النطاق.
«تشاجوس» تتكرّر فى فلسطين، نفس الإبادة الجماعية بعينها، والتهجير القسرى بحذافيره.
وأخيرًا، نوجه نداء إلى العالم لإيقاف المجازرالتى يقوم بها المحتل الإسرائيلى الغاصب الوحشى فى غزة، وتشكيل قوة سياسية واقتصادية للقيام بالمفاوضات، التى من المفترض أن تتم من منطلق القوة والمصالح، للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وهو «حل الدولتين»، وهو ما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسى للعالم أجمع.