أشعر بالدهشة إزاء البعض الذين ينتقدون الحكومة على تحريك سعر رغيف العيش المدعم مجرد قروش قليلة لا تعادل خمسة عشرة فى المائة من تكلفته الحقيقية.. وبعد ثبات تام فى سعره منذ أكثر من 30 عاماً.
فإذا كان هذا مفهوماً ومتقبلاً من أهل الشر عبر القنوات الفضائية المعادية بغرض إثارة الناس وتأليبهم على الدولة المصرية وقيادتها لأسباب خبيثة معلومة.. فإن هذا ـ بالتأكيد ـ غير مفهوم ولا متقبل من مقدمى برامج فضائية مصرية أو عربية تصدر من مصر.. والذين يفترض أنهم إعلاميون فاهمون ووطنيون ينتظر منهم أن يقوموا ـ لا نقول ـ بدور مساند للدولة المصرية فى ظل تحدياتها الجسام، بل يكونوا ـ على الأقل ـ محايدين يقولون الحقائق الموضوعية والمنطقية التى تساعد الناس على الفهم والتجاوب مع إدارة الحكم فى بلدهم وهى تسعى للإصلاح الاقتصادى المنشود فى منظومة الدعم التى تأخرنا فيها طويلاً ومنذ أيام الاقتصادى الكبير الدكتور القيسونى الذى سعى لتحقيق معادلة اقتصادية سليمة بأسعار متوازنة للسلع تستطيع أن تتحملها الحكومة ـ كل حكومة ـ بدعم محدود لا يتجاوز مئات المليارات التى وصلنا إليها الآن فى موازنة الدولة.. ومرشحة للمزيد إذا لم نتعامل مع هذا الخلل بعقول مفتوحة وقيادات وطنية مخلصة لا تسعى لتحقيق شعبية على حساب مغازلة بطون الناس فى حين ينتظرهم فى المستقبل ظروف اقتصادية أشد صعوبة وقسوة يصعب معها العيش.
وأظن أن هذا ما يحاول أن يفعله الآن الرئيس السيسى بخطى حكيمة ومتدرجة لا تحمل الناس خاصة البسطاء منهم أكثر من طاقاتهم.. والأهم أنه يجعلهم أكثر قدرة فى التعامل مع حياتهم الإنسانية فى مسألة ضبط النمو السكانى المتزايد.. والذى أظنه ـ فى رأيى أم المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها من 40 عاماً.
لقد كان تعداد مصر فى زمن الرئيس عبدالناصر إبان تطبيق النظرية الاشتراكية التى لايزال يطالب بها البعض 27 مليوناً.. الآن صار تعداد سكان مصر وضيوفها أكثر من مائة وستة ملايين نسمة.. أتصور أنه من المستحيل على أغنى حكومة فى العالم أن تتحمل فروقاً مضاعفة لأسعار السلع والخدمات وفقاً لنظام اقتصادى عالمى حر يعتمد على إنتاجية الفرد فى المجتمع.. ويوفر حماية اجتماعية محدودة ولفترات قصيرة وليس لعقود طويلة مثلما هو واقع فى بلدنا.
>>>
بالتأكيد.. لا أطالب برفع الدعم بشكل مطلق لأنه ليس من نواميس الكون أن تأتى من النقيض إلى النقيض.. ولكن أتصور أن ما تفعله الدولة الآن هو عين العقل فى إطار الحوكمة وكشف الظروف المجتمعية الاقتصادية للمواطنين من خلال البحوث الاجتماعية الدقيقة وتفعيل دور الأخصائى الاجتماعى كما هو حادث فى كل الدول المتقدمة.. بحيث لا تكون منظومة الدعم شاملة لـ 76 مليون مواطن كما هو حادث الآن.. فليس من المنطق أن نرى فى طوابير الخبز المدعم مواطنين تنتظرهم سياراتهم الخاصة أو يحملون تليفونات باهظة الثمن.
باختصار.. مطلوب تنقية أدق لحاملى بطاقات الخبز والسلع التموينية فهذا فى حد ذاته تقليل لفاتورة الدعم الباهظة.. وفى نفس الوقت تغطية لفئات وأفراد آخرين فى المجتمع يستحقون هذا الدعم الذى توفره الحكومة بشق الأنفس من الاحتياطى النقدى الأجنبي.
ترشيد الدعم أمر إيجابى ومطلوب.. وبالعقل والعلم نستطيع أن نحدد بوضوح من يستحق الحماية الاجتماعية فى مجتمع منتج عامل يستطيع أن يحقق لنفسه الحياة الكريمة المنشودة.