لم يعد ترشيد الاستهلاك «ترفاً» تلجأ إليه الحكومة أو الأفراد وقت الأزمات «فقط».. وإنما ولأسباب كثيرة عالمية وإقليمية ومحلية أصبح «الترشيد» ضرورة سلوكية حتمية وملحة صار لزاما على الدولة والمواطن «معا» الالتزام بها ولا يجوز لأى من الطرفين أن يقعد «مقاعد المتفرجين» فإن النجاح والتقدم يشترط شراكة حقيقية فاعلة بين الدولة والمواطن.
وحتى نتفق منذ البداية فإن الترشيد الذى أعنيه وقد استلهمته من كتابات علمية عديدة لا يعنى أبدا أن نخفض من استهلاكنا على حساب الراحة الإنسانية وإنما يعنى الاستغناء عن الزيادة فى الاستخدام «غير المبرر».
«ترشيد الاستهلاك» صار حتميا فى سائر مناحى حياتنا وليس فقط فى مجال الطاقة والكهرباء كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولي.. لكنه أصبح سلوكا واجبا فى مياه الشرب ومياه الري.. فى استهلاك السلع.. والخدمات والمرافق.. فى الانفاق العام والانفاق الخاص.. وصار لازما لإعلاء قيمة الترشيد أن تتكاتف لتعميقه فى نفوس المواطنين كل أجهزة التنشئة الاجتماعية.. المسجد والكنيسة المدارس والجامعات الأندية ومراكز الشباب.. بيوت الثقافة وقصورها.. الدراما الفنية بأشكالها وأبطالها والأهم الأم والمرأة المصرية «الوتد والقدوة».
الترشيد لا يصب فقط فى صالح الدولة – أى دولة – وإنما يصب أيضا فى صالح الأفراد تقليلاً للنفقات والفواتير وتوفير الهدر والفاقد وتوفير النفقات «لليوم الأبيض»!!!
إن داء نعانيه فى الكثير من مدننا وقرانا ما يسميه البعض «الاستهلاك الترفي» أو الاستهلاك «التفاخري» أو ما يتخذ له البعض «بالفشخرة» و»المنظرة» فى سائر المجالات بين الطاقة والكهرباء.. وحتى مياه الشرب ومياه الرى وفى الخبز المدعم وغير المدعم.. وحتى الفينو والمعجنات.. وفى طعام الكلاب والقطط.. وفى الغاز وسائر السلع والخدمات.
وحتى فى ظل أزمة الدولار.. وفرت مصر 12 مليار دولار للإفراج عن السلع ومستلزمات الإنتاج فيما كانت إجمالى البضائع 137 مليار دولار فى موانئ مصر.. ولو توقف كل مواطن عند حد شراء احتياجاته «التى يحتاجها» فقط دون مباهاة أو فشخرة لكانت هذه السلع قد غطت احتياجات أشهر أكثر.. لكن ضعف الرقابة وغياب بعض الضمائر يثقل كاهل المواطن البسيط.
والحقيقة التى يعلمها الجميع أن الدولة المصرية لم تقف مكتوفة الأيدى أمام الطقس شديد الحرارة وإنما سارعت إلى شراء غاز إضافى تكلف 1.2 مليار دولار لزوم هذا الصيف.. وأن مصر بحاجة إلى 120 مليون دولار شهريا.. وتبذل الدولة جهودا جبارة للاستفادة من طاقتى الشمس والرياح.. فإن شمس مصر خاصة فى «بنبان» كانت محلاً لتقدير دولي.. فإن شمس بنيان فى تقدير وكالة «ناسا» الأكثر سطوعاً للشمس فوق كوكب الأرض وفيها واحدة من كبريات محطات التوليد العالمية تكلفت 2.2 مليار دولار تنتج كهرباء أكثر من السد العالي.. وفى سيوة مطروح تضيء الشمس أكثر من ٦ آلاف منزل وهناك محطة للرياح فى الزعفرانة بالسويس ومحطة أخرى فى الطريق غرب سوهاج تتكلف 10 مليارات دولار لإنتاج 10 جيجاوات فى مارس 2026.. وغير ذلك كثير لكن ما يصيب المواطن بحالة من الضيق أن البعض من بيننا يتاجر بالأزمات مثل هذين اللصين اللذين سرقا مكونات نحاسية من بعض محطات الكهرباء فى المعادى والمقطم وتم رصدهما والقبض عليهما وهؤلاء المستوردون من القطط والسمان الذين سجلوا وفق أزمة الدولار أنهم يستوردون قطع غيار سيارات وعربات سكك حديدية لتكتشف الجمرك أنها سيارات ملاكى والقصد هو التلاعب!!
وتبقى كلمة: فإن الحكومة عليها واجب «القدوة» للترشيد فى كل مؤسساتها ودواوينها وأجهزتها.. وألا تكون حملات التوعية فقط وفقا لأزمة وإنما يصبح الترشيد سلوكا شعبيا عاما تتضافر لتحقيقه كل قوى المجتمع بما فيه منظمات المجتمع المدنى ولابد من إجراءات دائمة لتحفيز المواطنين على شراء وتشغيل الخلايا الشمسية وأن نساعد الأسر المصرية على استبدال أجهزتها الكهربائية القديمة التى تهدر الطاقة بأخرى جديدة مع التوعية المستمرة بإجراءات الترشيد ومفهومه فإن العديد من الخبراء يؤكدون وأنا معهم أن قليلا من الترشيد سوف يقلل ساعات الانقطاع إلى الضعف أو يزيد تخفيفا للأعباء حماية للأجيال القادمة.