يتواكب فوز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة أمس وعودته إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة لمدة أربع سنوات قادمة، مع الموعد المرتقب لانعقاد القمة العربية الإسلامية المشتركة بالعاصمة السعودية ـ الرياض ـ يوم الاثنين القادم الحادى عشر من نوفمبر، وهى القمة التى تضم قادة اثنتين وخمسين دولة الأعضاء بجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى ويمثلون أكثر من مليار ونصف المليار نسمة.
هذه هى الدورة الثانية لهذه القمة المشتركة بعد انقضاء عام على دورتها الأولى التى عقدت بالرياض أيضاً فى الثامن عشر من نوفمبر العام الماضي، وكانت القضية الفلسطينية وتطوراتها هى محور مداولاتها وقراراتها، فى مواجهة حرب الإبادة الجماعية التى أطلقها الجيش الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى فى غزة رداً على عملية طرفان الأقصى فى السابع من أكتوبر العام الماضي.
ولقد كتبت عن القمتين، السابقة والمرتقبة، فى هذا المكان منذ أسبوعين فى ضوء الظروف القائمة التى لم يكن فى مقدور أحد وقتها، بل وحتى قبل ساعات من بدء التصويت فى الانتخابات الأمريكية أول أمس ـ الثلاثاء ـ التنبؤ بمن سيفوز بهذه الانتخابات.
الآن وقد قضى الأمر بفوز الرئيس ترامب وحزبه الجمهورى بالرئاسة، تجد هذه القمة المرتقبة نفسها أمام تحد جديد، بالتأكيد كان مطروحاً على قادتها كاحتمال قائم، لكنه اليوم أصبح حقيقة واقعة تتطلب توافقاً على أسلوب جماعى للتعامل معها.
الرئيس ترامب ليس جديداً علينا ولا على العالم، وموقفه من قضايانا معروف، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.. إنه لا يرى فيها سوى إسرائيل ومصلحة إسرائيل، ولا يكاد يعترف بالشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة.
ولنا تجربة مع ترامب خلال فترة رئاسته السابقة، فهو الذى بادر بتفعيل قرار سبق لكل الرؤساء الأمريكيين قبله تفعيله، وهو قرار نقل السفارة الأمريكية من مقرها بتل أبيب إلى القدس.
وخلال حملته الانتخابية هذه المرة، أيد رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى كل ما يفعله بغزة والضفة الغربية ولبنان، بل ودعاه إلى تحقيق النصر فى حربه على كل الجبهات.
بل أكثر من ذلك، فقد توعد خلال حملته أيضاً كل من يطلقون المظاهرات والاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية داخل المدن والجامعات الأمريكية بالقبض عليهم ـ إذا أصبح رئيساً ـ وترحيلهم إلى بلادهم الأصلية.
هذا ينبغى ألا يخيفنا.
فالتطورات الإيجابية التى حدثت على الأرض، سواء فى ساحات القتال، أو فى الرأى العام العالمي، لصالح القضية الفلسطينية، وضد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية ولبنان، أكبر من أن تستطيع قوة فى العالم إجهاضها، أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، سواء فى وجود ترامب فى البيت الأبيض أو بدونه.
لم تعد الحرب من طرف واحد هو الطرف المعتدي، أى إسرائيل، ولم تعد الخسائر على طرف واحد هو الطرف الفلسطينى أو اللبنانى أو الفصائل والقوى المناصرة للشعبين.
لم تعد إسرائيل قادرة ـ عسكرياً ـ على حسم الحرب الميدانية لصالحها، وهى تضطر كل يوم إلى استدعاء المزيد من الألوية والفرق العسكرية لدعم عملياتها على الجبهات التى تحارب فيها.
نعم هى مستمرة فى القتل والتدمير والتجويع والتهجير.. ولكن إلى متي.. لأن مجرد استمرارها يعنى أنها تشعر أنها لم تقترب من النصر بعد.
وأصبحت إسرائيل ـ لأول مرة فى تاريخها ـ مخترقة عسكرياً ـ جواً وبراً وبحراً.. فى العمق، وعلى الأطراف وبعد أن كانت ترد فقط على اختراق حماس لها بعملية طوفان الأقصي، أصبحت مخترقة من حماس ومن حزب الله اللبناني، ومن الفصائل الإسلامية فى العراق، ومن الحوثيين فى اليمن وعرف مواطنوها الخوف، واللجوء إلى المخابئ كلما سمعوا صافرات الإنذار باختراق مسيرة أو سقوط صاروخ.
بل وعرف رئيس وزرائها الذى يعلن كل يوم أنه لا يوجد موضع فى الشرق الأوسط يستعصى على وصوله إليه، كيف وصلت إلى بيته وانفجرت مسيرة صغيرة كانت كفيلة ـ لو كان موجوداً به ـ أن تقضى عليه.
ولم تعد أمريكا، ولن تستطيع حتى فى ظل رئاسة ترامب، أن تدعم إسرائيل بأكثر مما دعمها به الرئيس بايدن.. فماذا لديها بعد المدمرات والفرقاطات والمقاتلات، والتى وصلت مؤخراً إلى إرسال طائرة الشبح التى تمثل أسطورة سلاح الجو لأكبر دولة فى العالم.
بل وماذا لديها بعد إرسال منظومة الدفاع الجوى «الثاد» بعد أن فشلت القبة الحديدية وغيرها من أساليب الحماية الجوية، فى التصدى لاختراقات المسيرات؟!
هذا فقط فى الجانب العسكرى الميداني، وهو ما يثير جنون نتنياهو ويجبره على إطالة أمد الحرب أملاً فى حسم لن يتحقق.
وإطالة أمد الحرب، ستكون ضد منهج ترامب الذى يردد دائماً، أن الحروب الحالية، سواء فى أوكرانيا أو الشرق الأوسط، ما كانت لتبدأ لو كان موجوداً فى البيت الأبيض، ولن يسمح باستمرارها لو أصبح رئيساً.
وما جرى من متغيرات إيجابية لصالح القضية الفلسطينية وضد إسرائيل فى ساحات القتال، حدث مثله فى الرأى العام العالمي، شعوباً وحكومات.
ويجب ألا ننسى أن الدورة الماضية للقمة العربية الإسلامية، كان لها الفضل فى إطلاق الشرارة الأولى لهذه المتغيرات.
وكما سبق أن كتبت منذ أسبوعين، فإن التحرك بالقضية الفلسطينية وحرب الإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى إلى محكمة العدل الدولية، ثم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوالى اعتراف دول عديدة بالدولة الفلسطينية، وانتشار الدعوة إلى منع تصدير الأسلحة لإسرائيل وتفعيل هذه الدعوة، وظهور كيانات دولية تتبنى حل الدولتين.. إلى آخره.. كانت جميعها ترجمة عملية لقرارات صدرت عن القمة المشتركة السابقة.
الرأى العام العربى والإسلامي، بل وقطاعات عديدة من الرأى العام العالمى أصبح منفتحاً على رؤية قمة الاثنين القادم وهى تبنى على ما حققته من قاعدة قوية، وتطور أفكار جديدة للسلام والاستقرار والأمن القومى العربى والإقليمى فى مواجهة المتغيرات الراهنة.
شعوب العالمين العربى والإسلامى تقف وراء قادتها، وتؤمن بأن الاتحاد، فى حد ذاته، قوة، كما تؤمن بقدراتها وقوتها الشاملة، وتثق فى أنها تستطيع دائماً، وأياً كانت التحديات، أن تكون فاعلاً قوياً فى شئونها وقضاياها، وليست مفعولاً به، وتملك اتخاذ قرارات، وليس الاكتفاء بمناشدة المجتمع الدولى أن يتخذها نيابة عنها.