كنا نعتقد أننا نعيش زمن القوة ولا مكان ولا مجال إلا للأقوياء، ولا حياة للضعفاء فى هذا العالم المتوحش لكن اكتشفنا، أننا نعيش فى زمن الغاب، فى كل ما يحدث فى العالم، والمنطقة من انتهاك كل قيمة وفضيلة، ومبدأ، حتى باتت الإنسانية تخجل من هذا العالم، وفى زمن البلطجة، لا حديث عن قوانين دولية أو إنسانية، ولا احترام لسيادة الدول وحقوق الشعوب المشروعة، أو قدسية الأرض لذلك على الباحثين عن النجاة من هذا النظام العالمى المستبد، الذى تستر لعقود طويلة خلف الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان والحيوان، كذبًا وزورًا، أن يتسلحوا بالقوة والقدرة قدر ما يستطيعون فالقادم فى هذا العالم اسوأ، سوف تنشط المؤامرات والمخططات والأطماع، وسلاحها البلطجة والإبادة بالتالى فإن الضعفاء هم الضحايا، يتساقطون كأوراق الشجر فى الخريف الصعب.
هناك أسئلة غريبة ربما لا يعيها من يطرحها، ولا يدرك اللحظة التى يعيش فيها العالم، فقد كنت أجلس مع بعض الأصدقاء والزملاء فإذا بأحدهم يسألني، أيهما أفضل لنا يقصد لمصر، كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطى أم دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
الحقيقة إن هناك عددًا ليس قليلاً مهتمًا بطرح هذا السؤال بعفوية وببراءة وانتظار الإجابة لأسباب مشروعة، حبًا فى الوطن، ومصلحته تكمن من وجهة نظرى فى أن مصر قادرة ومستعدة للتعامل مع الجميع، سواء فى الولايات المتحدة أو غيرها، ولابد أن يدرك أين تقف مصر، فهى دولة قوية وقادرة ومحورية وركيزة الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط لا يمكن لأحد أن ينظر إليها إلا بعين الاحترام، والاهتمام، ولا يمكن على الاطلاق تحييدها أو اخراجها من المعادلة الدولية والإقليمية فهى القوة الضاربة التى تقف على أرض شديدة الصلابة تمتلك العديد من الأوراق والبدائل والدور والثقل الإقليمي، والمكانة الدولية خاصة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى نجح فى بناء دولة حديثة تمتلك أسباب القوة والقدرة والثقل، وتستطيع فرض مواقفها وثوابتها، ولن يكون ترامب أو هاريس أكثر حدة من مواقف، باراك أوباما الذى هندس واشرف وقاد مخطط الربيع العربي.
مصر تمضى وفق مباديء وثوابت وخطوط عريضة فى سياستها الدولية والخارجية والتى تقوم على الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية واعتبار ذلك خطًا أحمر ولا تقبل بأى حال من الأحوال الضغوط أو الإملاءات أو ما يخالف ثوابتها، وأيضا استقلال قرارها الوطني، وعدم التورط فى الاستقطاب تجاه أى معسكر أو لصالح أى تحالف، فهى تحتفظ بعلاقات شراكة قوية مع الجميع سواء الولايات المتحدة، أو الصين أو روسيا أو أوروبا، أو الهند، حتى وان كان هناك صراع خفى أو معلن بين هذه الدول، لكن العبقرية أن مصر تبحث عن مصالحها العليا والوطنية، وتسعى لتحقيق المنافع المتبادلة مع الجميع، وهذه الثوابت لا تتغير على الاطلاق مع أى رئيس لهذه الدول ولا تتنازل مصر عن مواقفها، ولا تخضع لابتزاز أو املاءات أو حتى اغراءات لتغيير هذه المواقف، فمصر دولة مباديء وثوابت تحرص على التوازن والتنوع والحكمة فى علاقاتها الدولية والخارجية، بل وتروج لهذه المباديء حتى فى وضع حلول للأزمات والصراعات.
لا تستطيع أى قوة أن تجبر أو تفرض على مصر ما لا تريده، وإذا كنا نفاضل بين هاريس وترامب، فإننى اتفق مع مشاعرنا وكاتبنا الكبير فاروق جويدة أنهما لا يصلحان لقيادة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة لكننا نتحدث عن مواقفهما المحتملة تجاه قضايا المنطقة خاصة القضية الفلسطينية، واطماع إسرائيل ومدى الدعم والمساندة لدولة الاحتلال وأرى أنهما لا يختلفان فى هذا الموقف، فالعدوان الإسرائيلى وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة مستمرة لأكثر من عام فى ظل الإدارة الأمريكية الحالية، بقيادة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس المرشحة لمنصب الرئيس فى هذه الانتخابات ولم يفلحا فى ردع أو ايقاف إسرائيل عن عدوانها، بل دعما إسرائيل بلا حدود وبكل قوة، بالأسلحة والذخائر والمعلومات والأموال التى تتدفق على الكيان بالمليارات من الدولارات، اضافة إلى الدعم السياسى والدبلوماسى المتواطيء والقانونى الفج الذى وصل إلى ترهيب أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، ويكفى أن قرار المحكمة ضد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم يستغرق أكثر من 23 يومًا ونتنياهو ووزير دفاعه، مازالت المحكمة مقيدة على مدار شهور طويلة عجزت خلالها عن اصدار أى قرار ضد نتنياهو بسبب التهديدات الأمريكية والغربية وفى إطار الحصانة للبلطجة والإجرام والفاشية الصهيونية، فهاريس وبايدن وجهان لعملة واحدة، عجز واضح وفاضح، ودعم معلن ومطلق، بل يؤكد الجميع أن واشنطن هى من تحارب بكل قوتها واساطيلها وأجهزة استخباراتها سواء فى قطاع غزة أو مختلف الجبهات، وجاءت بحاملات الطائرات لحماية تل أبيب، ولولا هذا الدعم والمشاركة ما صمدت إسرائيل لأكثر من عام عسكريًا واقتصاديًا وقانونيًا، بل ربما كانت انهارت وارتاح العالم من شرورها لذلك أقول للمتطلعين لنجاح هاريس لاتنتظر الخير أو السلام، أو الحقوق الفلسطينية المشروعة، ولا تنتظروا أن يتوقف المخطط ضد مصر، خاصة مخطط التهجير والتوطين لكن القاهرة لم ولن تتأثر بأى رئيس أمريكى فالثوابت المصرية لا تتغير، والمواقف لا تتبدل والضغوط والتهديدات لن تؤثر فينا، لأننا لا نعوِّل و لا نثق إلا فى أنفسنا لا شك أنه فى حال نجاح هاريس ستواصل الدعم الأمريكى لأوكرانيا ولا أمل فى موقف الحرب الروسية ــ الأوكرانية.
هناك أيضا فريق يرغب فى نجاح دونالد ترامب، وهو يتعامل بمنطق برجماتي، تاجر يبحث عن مصالح ومكاسب لأنه أكثر ميلاً لإسرائيل وانحيازًا، ولعل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كان بقرار فى عهد ترامب وهو أيضا من يعول عليه اليمين الإسرائيلى المتطرف بقيادة صديقه نتنياهو، وقد أفصح عن نواياه عندما قال مشيرًا بيديه إن إسرائيل صغيرة وفى حاجة إلى التوسع وهناك انطلقت التفسيرات والاشارات تتساءل التوسع على حساب من؟ فهو بالتالى مساند وداعم لأوهام إسرائيل ونتنياهو وحكومة المتطرفين أبناء الدجال، لكن ربما ترامب يكون أكثر حدة فى مواقفه ضد أوكرانيا وزيلينسكي، وهو لا يرغب فى استمرار دعم واشنطن السخى لزيلينسكى ويتردد أنه صديق الرئيس الروسى بوتين، وقد تتوقف الحرب الروسية ــ الاوكرانية، لان ترامب لا يريد استمرارها، ويرفض دعمها ما أريد أن أقوله إن مصر لا تفرق معها هاريس أو تر امب، فهناك محددات ومباديء معايير وثوابت تحكم السياسة المصرية، تطبقها على الجميع ولا تخشى من أى أحد، ومن له اطماع، أو ضغوط أو املاءات فهذا شأنه، لكن لا أحد يستطيع التأثير أو تغير مواقف وثوابت مصر، التى تفتح يديها للجميع من أجل السلام، والتعاون، والمصالح المشتركة وتحقيق الأمن والسلم، وتسوية الأزمات والصراعات فى المنطقة أو فى العالم، ولا أحد يستطيع أن يدير ظهره لدولة عظيمة وعظمى مثل مصر فى الشرق الأوسط ولديها الكثير من البدائل والعلاقات القوية، ومهما كان حجم الاستهداف والابتزاز، فمصر لا تبالى ولا تستجيب لمثل هذا النوع من السياسات لانها تقف على أرض صلبة، ولديها القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة، و شعب على درجة كبيرة من الوعى والفهم والاصطفاف، وقيادة وضعت مصر على الطريق الصحيح، تتعامل بادراك حقيقى لقيمة وعظمة مصر وتجسد شموخ هذا الوطن، الذى لا ينحنى ولا يركع إلا لله، فما أرادنا بالخير فنحن نمد له يد الخير، ومن أرادنا بسوء فلن تفلح نهاية، سواء كانت هاريس، أو كان ترامب هو ساكن البيت الأبيض، فعلاقاتنا مع الجميع واحدة، ومصر لا تنظر إلى مثل هذه الأمور، إلا بنظرة القوى الواثق الذى يدرك أهميته ومكانته وأنه ند والرقم الأكبر إقليميًا والثقل الدولى تتحرك بوعى وعبقرية لذلك ثوابتنا ومواقفنا لم ولن تتغير ومصر المحفوظة بأمر ربها لن يمسسها سوء.. تحيا مصر.
تحيا مصر