صناعة الفخار واحدة من أقدم الحرف اليدوية فى التاريخ.. المصرى القديم سجل على جدران المعابد والمتاحف نقوشاً تظهر فيها الأوانى الفخارية بأشكالها المختلفة كجزء رئيسى من مستلزمات حياته اليومية.. وفى مقابر الفراعنة التى يكشف عنها الأثريون كانت الاوانى الفخارية جزءاً رئيسياً من محتويات المقبرة ومن المستلزمات التى كان يحرص المتوفى على دفنها معه اعتقاداً منه بحياة البعث والعودة بعد الموت.
فى القاهرة القديمة، وتحديداً فى منطقة الفسطاط، اتخذ صناع الفواخير مقراً لهم، واعتمدوا فى صناعتهم على الطرق البدائية، واستمر الوضع على حاله منذ ان فتح عمرو بن العاص مصر، وحتى تدخلت الدولة برؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى وقررت الارتقاء بالمهنة وبأصحاب الانامل الذهبية .
وعلى مساحة 13 فداناً خلف مجمع الاديان وبجوار متحف الحضارات تم انشاء قرية الفواخير تجمع الفواخرية المهرة وتصبح معلماً تاريخياً من معالم منطقة الفسطاط التى اصبحت مزاراً عالمياً للتعرف على حضارة مصر القديمة.
مشروع قرية الفواخير الذى تبنته محافظة القاهرة يضم 152 فاخورة بمساحات مختلفة و40 بازاراً تقع فى واجهة القرية، وقامت المحافظة بتسليم اصحاب الفواخير «افراناً» تعمل بالغاز لتصبح الصناعة صديقة للبيئة، كما تم انشاء مدرسة لتعليم الحرفة وتخرج اجيالاً قادرة على حماية هذه المهنة القديمة من الاندثار.
عندما تتجول فى قرية الفواخير تجد نفسك مشدوداً لكل ما تذخر به من فنون ومهارة فائقة الصنعة وإبداعات المصريين التى تسجل براندات قادرة على المنافسة عالمياً والأهم أن أجواء المنطقة نفسها تخلق حالة خاصة من الانبهار.
العميد ماجد فوزى – المشرف العام على قرية الفواخير فمدينة الفسطاط منبع ومقر هذه الصناعة منذ فتح مصر فى عهد عمرو بن العاص، مبينًا أن القرية حاليا بعد التطوير تمتلك كثيرا من المزارات والآثار، مثل: مزار آل البيت الممتد من السيدة زينب مرورا بالسيدة عائشة والسيدة نفيسة ثم السيدة سكينة والسيدة رقية وباقى شارع الأشراف، واذا تعمقنا قليلاً فى شارع الفسطاط نرى متحف الحضارات وجامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة والمعبد اليهودي، لذا كان الاهتمام بإنشاء قرية تجمع مهرة الصنعة التى كادت تندثر ضرورة، وحينما زار الرئيس السيسى المنطقة نهاية عام 2021 طالب المســـئولين بتطوير القرية التى تبـــلغ مســــاحتها «13 فداناً» وتنقسم لــ 152 فاخورة بمساحات مختلفة وكل فاخورة على دورين، وتوصيل مرافق الغاز والمياه والصرف للصحى وتسكين أصحاب هذه المهنة لتلك الفواخير عن طريق حق الانتفاع لمدة 25 عاما تجدد تلقائياً.
ويستكمل فوزى قائلاً ان صناعة الفخار من أقدم الحرف اليدوية ودليل ذلك فى نقوش المعابد والمتاحف والاوانى الفخارية التى كان يجمع فيها المصرى القديم كل ما يملك ليضعه فى قبره اعتقادا بحياة البعث والخلود، ولكن صناع هذه الحرفة كانوا متفرقين فى أكثر من مكان بالقاهرة، ونظراً لأن حرق مواد الفخار كان يتم عن طريق الأخشاب أو المخلفات البلاستيكية الضارة بالبيئة، مما جعل المحافظة تتعاقد مع وزارة الإنتاج الحربى لإنشاء أفران تعمل بالغاز صديقة للبيئة، وبالفعل تم تصنيع حوالى 116 فرناً وتسليمها لأصحاب الفواخير، ورغم هذا فإن عدد الأفران لا يتناسب مع عدد الفواخير، لأن المساحات المتبقية صغيرة وعبارة عن استديوهات وأماكن للفنانين للنحت والرسم فقط أو العرض.
ماجد كشف أنه بعد زيارة الرئيس السيسي.. تم تجميع «جواهرجية الطين» فى مكان واحد بعدما استمع للفواخرية ومطالبهم بضرورة إنشاء مدرسة صناعية خاصة بهذه الصناعة، لأن معظم العاملين بها كبار فى السن ولا وجود للشباب، الأمر الذى يهدد بإندثارها واختفائها سريعا، وبالفعل تم عمل بروتوكول مع وزارة التربية والتعليم وتجهيز جزء من المبنى الإداري، وحاليا يوجد فصلان دراسيان «الأول والثاني» ونظرا لأن المحافظة ترغب إدراجها على الخريطة السياحية، ولأن السياحة تتطلب مواصفات معينة لجذب السياح من خلال وجود بازارات على أعلى مستوى فقد تم تخصيص عدد 40 فاخورة فى واجهة القرية لتكون معارض دائمة، وبما أن كثير من السياح يميلون للأشياء الفرعونية قام الفخاريون بعمل العديد من التماثيل والتحف الفرعونية تشبه ما يقومون بشرائه من خان الخليلى والأهرامات، ولكن أخف فى الوزن، هذا إضافة الى إتاحة الفرصة للسائح مشاركة العامل اثناء تشكيل «الطين» والعمل على الدولاب، خاصة أن كثير من السائحين يعلمون أن استخدام «الطين» فى حد ذاته يمتص الطاقة السلبية من الجسم.
ويفيد ماجد بأن معظم العاملين بهذه الحرفة ليس لديهم خبرة تسويق لذا ساعدت الدولة والمحافظة فى عملية التسويق والبيع بمشاركة وزارة التنمية المحلية من خلال « أياد مصرية» والأون لاين والمعارض داخل قاعة داخل القرية مســاحتها 600 متر ومشاركتهم فى معرض «تراثنا» فالهدف أن الدولة تريد أن تحافظ على تراثها وتعمل على تنمية الفواخرية حريفة وبالفعل كما يصفونهم فهم جواهرجية الطين الذين يحولونه إلى ذهب بعبقريتهم.
ياسمين ناجى – من أصحاب الفواخير التى قالت لـ «الجمهورية»: نعمل بهذه المهنة منذ فترة طويلة ولكن منذ قامت الدولة بتوفير مكان يليق بعرض منتجاتنا فإننا نعمل على تطوير المنتج من حيث التقنيات والتصميمات حتى استطعنا الحصول على علامة تجارية مميزة بين باقى المنتجات والخامة المستخدمة وهى «الطين الأسواني» ونتعامل مع كل الفئات فمنتجاتنا تبدأ من أوانى السفرة إلى التحف والانتيكات وبأسعار متفاوتة.
محمد زكى – صاحب ورشة يعمل فى مجال الرسم على السيراميك وتلوينه ثم حرقه على درجات حرارة معينة حيث يستخدم فى الحمامات والمطابخ، وهذا العمل له فئة معينة لأن سعره أعلى بنسبة بسيطة من السيراميك العادي، مضيفًا أن وجوده فى هذا المكان أتاح له الفرصة لعرض منتجاته ويتمنى انتعاش القرية وتوافد الزوار لرواج حركة البيع والشراء.
حامد محمد محمود ــ أحد أصحاب الفواخير يهوى الفن الإغريقى والرومانى منذ كان صغيرا يتجول مع والده وسط البلد، وورث حرفة الخزف منه ورغم أنه أمضى وقتاً طويلاً فى صناعة التحف والانتيكات الا أنه منذ تواجده بالقرية فضل أن يكون عمله مختلفاً عن باقى أفراد القرية بتحويل «الطين» إلى رخام من حيث الشكل والملمس، حيث يقوم بتصميم التمثال ويضع مرحبا فيها أسياخاً من الحديد ثم يبطنها بالطين والجبس الذى يتم تحويله فيما بعد إلى شكل وملمس الرخام، مضيفاً أن تطوير قرية الفواخير وتجميع مهرة الصنعة فى هذا المكان خطوة طال انتظارها ونتمنى أن يشارك الشباب ويتعلم هذه الحرفة.
محمد محمود ـــ من أبناء الفيوم يعمل فواخرى أبا عن جد وكان يعمل بالفيوم ولكن بعدما لاحظ أن شباب المحافظة اغلبهم بدأ الاتجاه للعمل بوظائف أخرى وأصبحت المحافظة كلها لا تمتلك صنايعية توجه إلى قرية الفواخير بالفسطاط حيث يتوفر فيها الأيدى العاملة وعناية المسئولين يشرح عملية الصناعة.. حيث يقوم بصناعة طلبية من أوانى السفرة وتستخدم فيها أنواع كثيرة من بودر الطين وعلى رأس هذه الخامات الطين الأسوانى الأحمر المصرى الذى نقوم بتخميره فى المياه، وبعد عملية التخمير يتم مزج الخليط جيدا « عجناً « ثم يترك من أسبوع إلى عشرة أيام حتى تصبح المادة جاهزة للتشكيل، وتبدأ مرحلة التشكيل بالوزن ليكون المنتج المطلوب متساوياً فى الحجم ثم يشكل بعد ذلك على الدولاب، وبعده يتم الانتهاء من العمل على عدة مراحل قد تصل إلى عشر مراحل وأقلهم مرحلتين، المرحلة الأولى التقطيع للحصول على الأبعاد المطلوبة للعمل المراد تسليمه، ثم يتم عمل خراطة له مع حساب الانكماش الذى يحدث للعجينة والذى يتراوح بين 10 – 15 مم ثم الجرد وهو بداية المرحلة الثانية وفيه يترك المنتج من يومين الى 12 ساعة كحد أدنى حتى يصل لجفاف نسبة المياة إلى درجة 10 ٪ ليسهل إزالة الشوائب منه ثم يعود مرة أخرى للدولاب حتى تتم عملية الخراطة وحرقه على درجات حرارة معينة «حرق البسكويت» وبذلك يتحول الطين إلى فخار يسهل تلوينه، علما بأن المواد المستحدثة هى أكاسيد المعادن المعروفة ودائما تستخدم بنسب معينة لتكون صالحة للاستخدام الآدمى خاصة فى أوانى المطبخ والسفرة.
يلتقط الحديث رجب فرج – أحد الصنايعية قائلا: تركت المهنة فترة من الزمن ولكن بعد أن أصبح هناك مكان يجتمع فيه مهرة الحرفة فضل العودة إليها ولكن هناك مشكلة تواجه الصناع قائلاً: أثناء عملية التلوين «الجليز» نرغب فى وجود معمل لإجراء الأبحاث والتحاليل للخامات المستخدمة، علما بأن مصر تملك الكثير من الخامات الأولية وبوفرة، الأمر الذى يجعلنا نستعين بالمستورد أحيانا لجودته ومعالجته لأن صناعة الخزف ليست حرفة ولكنها فن ويستخدم فيه خامات متنوعة بشكل كيميائى لذا لابد من تدريب العامل على دراسة وفهم هذا العلم ليصل للعالمية وهذا ما بدأت به المحافظة عن طريق المدرسة.