> منذ فترة اشرت الى اهمية السياحة الريفية ودورها فى تنمية الريف المصرى وفى زيادة الدخل السياحي.. ولاشك أنه قد آن اوان الاهتمام بهذا اللون من السياحة لتضاف إلى منتجات سياحية تتميز بها مصر..
> وقدمت نموذجاً لقرية من ريف دولة استونيا أعدها صاحبها لاستقبال السياح وسط مزرعته بعد إضافة بعض مكملات بسيطة لتهيئتها للاستعمال السياحي.. وهى نموذج يمكن تطبيقه بسهولة فى مصر.. وهو يحتاج إلى أمرين: أولهما مبادرة شخصية من أصحاب الأراضى الزراعية الذين يملكون مساحة يمكن أن تكون وحدة سياحية بعد تهيئتها.. كما يحتاج إلى هيئة أو شركة أو مجموعة استثمارية تبحث عن المواقع الصالحة لهذا الغرض وتتعاون مع أصحابها فى تهيئة هذه المواقع للسياحة الريفية.
> وفى هذا الشأن يمكن أن نتحدث عن مئات من الدور والقصور المقامة فى ريف مصر فى الدلتا والصعيد.. ومعظمها يمكن أن يكون نواة لإنشاء قرى سياحية ريفية حولها.. وهذا الاستغلال الجديد لها يؤدى إلى الحفاظ عليها.. وهذا وحده مكسب كبير فالأثر لا يحيا بإغلاقه وعدم استعماله.. وإنما باستغلاله والتعايش معه..
> واستغلال هذه القصور فى السياحة يهيئ الفرصة لإيجاد سياحة ريفية مستدامة تكون هذه القصور أهم ركائزها.. كما أن هذا يضيف أعداداً كبيرة من الغرف الفندقية التى نحتاجها لزيادة الطاقة الفندقية..
>>>
> هذه الدور والقصور هى ثروة هائلة.. لا ينبغى أن تترك دون تسجيل تاريخى لها.. ودون دراسة لأوضاع كل منها وحالتها ومدى احتياجها لعمليات صيانة وترميم يحافظ عليها قريبة من حالتها التى كانت عليها عند إنشائها.. ويمنع من ناحية أخرى عمليات الهدم التى تلاحق الكثير من وحدات هذا التراث الفريد..
>>>
> سأقدم هنا نموذجين لاستخدام القصور فى ريفى إنجلترا وفرنسا من خلال زيارتين لى فى سنوات سابقة.. أما الزيارة الأولى فقد بدأت من لندن.. وكنا مجموعة من الصحفيين المتخصصين فى الشأن السياحى فى زيارة إلى لندن.. ورأت هيئة السياحة البريطانية أن تحتفى بوجودنا بإقامة حفل عشاء لنا فى الريف الإنجليزى خارج لندن.. وفى الوقت المحدد جاء المرافقون لنا ومعهم سياراتهم التى ستنقل المجموعة لتناول العشاء.. وقد كانت الأمطار فى ذلك المساء شديدة.. وظننا فى البداية أنهم جاءوا للاعتذار عن السفر خارج لندن فى هذا الجو.. أو أنهم جاءوا ليغيروا مكان الدعوة.. ولكنهم اندهشوا من هذا.. وقالوا ولماذا التغيير.. أو الإلغاء.. كل شئ يمضى كما هو مخطط له.. فألامطار لم تأت فجأة.. وهى لا تعوق الانتقال إلى خارج لندن..
> هكذا انطلقت بنا السيارات تحمل الوفد الصحفى ونحن نظن أننا متجهون إلى أحد المطاعم خارج لندن.. ولكننا فوجئنا بتوقفنا أمام بوابة حديدية مرتفعة.. فتحت لدخول السيارات.. فبدا من بعيد قصر مضاء وسط الحدائق.. دخلنا القصر.. ونحن نتوقع أنه ربما يكون قد تحول إلى فندق.. وسنتناول عشاءنا فى مطعمه.. ولكن المفاجأة أنه لم يكن شيئاً من هذا.. أى لم يكن فندقاً.. وكان قصراً يقيم به صاحبه وزوجته والاثنان فى مرحلة شيخوخة شابة..
> وبدأ مرافقونا فى تقديمنا إلى صاحب القصر وزوجته.. وتعريفنا أيضاً بصاحب القصر.. ثم جاء وقت العشاء فانتقلنا من حجرة الصالون إلى حجرة الطعام.. ومعنا صاحب القصر وزوجته والوفد الصحفى ومرافقونا.. إلى هنا ونحن لا ندرك لماذا كان العشاء فى هذا القصر..
> انتهينا من الطعام وانتقلنا مرة أخرى إلى الصالون لتناول الشاي.. ثم شكرنا صاحب القصر وزوجته وخرجنا بين الأشجار فى حديقة تعادل مساحة القصر مرات عديدة.. وكان لحسن حظنا أن توقف المطر.. مما أتاح لنا دقائق نتوقف فيها نتأمل أشجار الحديقة المضاءة ليلاً وجمال تخطيطها.. وأخبرنا مرافقونا أن الحديقة أيضا تقام فيها حفلات غداء وعشاء.. مما دعانا إلى التجرؤ وسؤاله لماذا دعانا صاحب القصر على العشاء.. هل هى مساهمة منه فى الترحيب بضيوف هيئة السياحة البريطانية.. وضحك مرافقونا.. وهم يقولون لنا.. نحن دفعنا ـ أى هيئة السياحة.. قيمة هذا العشاء.. ويتضح لنا بعد ذلك أن الهيئة لديها عشرات من القصور تتعامل مع أصحابها فى تقديم وجبات العشاء أو الغداء لضيوف الهيئة.. وأن هذا هو أحد جوانب الحفاظ على هذه القصور وتوفير دخل مناسب لأصحابها..
> هل يمكن أن يحدث هذا فى مصر؟.. أعتقد أن هذا يمكن مع الوقت إذا وضعنا أساساً للحفاظ على الدور والقصور فى ريف مصر.. وهو جانب واحد من طرق استغلالها.. إلى جانب أنها كما أشرنا يمكن أن تكون نواة لسياحة ريفية يستضاف فيها السائحون.. مصريون وأجانب.. ونهيئ المواقع المحيطة بها لهذا النشاط..
> نفس ما حدث لى فى لندن حدث لى أيضا فى باريس.. وكانت هذه المرة دعوة على غداء فى قصر فى الريف الفرنسي.. تستقبلنا صاحبته بمجرد وصولنا وتتجول معنا فى أنحاء القصر.. وينتهى الأمر بتناول الغداء.. ولكن صاحبته وفرت أشياء كثيرة للزوار.. منها ركوب الخيل فى حدائق القصر.. إلى جانب متحف أو معرض صغير لنماذج من محتويات القصر..
> مرة أخرى هذا نشاط يمكن جداً أن يقام فى مصر.. وفى استطاعة هيئة التنشيط السياحى أن تفعل مثل هذا مع قصور كثيرة خارج القاهرة.. كما تفعل فى قصور القاهرة كمتحف قصر المنيل أو البارون أو غيرها.. ولكن الأمر يقتضى أولاً دراسة كيفية الحفاظ على هذه القصور ومنع هدمها أو تركها للانهيار.. نحتاج إلى «هيئة الدور والقصور».. لتعتنى بها وتقوم بترميمها ترميماً علمياً.. وتتولى إدارتها نيابة عن أصحابها أو بالتعاون معهم..