الكثيرون منا يعرفون أضرار ومخاطر التدخين.. ويدخنون بشراهة.. يعرفون الأضرار الصحية الكثيرة للاعتماد فى نظامهم الغذائى على الوجبات السريعة.. يعرفون مخاطر الاستخدام العشوائى للأدوية.. المتاعب الناجمة عن الكسل واهمال ممارسة القدر المناسب من النشاط البدنى والقدر المعقول من الرياضة.. وباختصار يعرفون أسباب اعتلال الصحة.. وبرغم ذلك يصرون عليها.. وكأن صحتهم لا تعنيهم.. وكأنهم أقوى من المرض.. وهى مغالطة تكشفها معاناة الوقوع فى براثن أول مشكلة صحية تصادفهم.
على الرغم من أن هذه الظاهرة أصبحت عامة.. حتى أن بعض المجتمعات أصبحت توصف بالمجتمعات المريضة لكثرة انتشار الأمراض المزمنة والمعدية بين أفرادها خصوصاً فى المراحل السنية المنتجة.. إلا أنها تصبح أمرا شديد الغرابة.. يثير الكثير من الحيرة والقلق.. عندما يتعلق الأمر بالأطباء أنفسهم.. فالطبيب هو الأكثر معرفة بأسباب المرض وخطورة السلوكيات الحياتية الخاطئة.. وهو المكلف بتثقيف المجتمع ورفع مستوى الوعى الوقائى بين أفراده.. وبالتالى فهو مطالب بتقديم القدوة والمثل.. لأن فاقد الشىء لا يعطيه.
تبدو هذه الحقائق بديهية.. ولكن الواقع يؤكد أن الحقائق البديهية غائبة عن الكثير من الأطباء.. وعلى المستوى الشخصى فقد مررت بتجربة مؤلمة تتعلق بطبيب جراح تربطنى به علاقة صداقة عائلية عميقة منذ سنوات طويلة.. صديقى الطبيب أصيب بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد المستشفيات فى القاهرة.. ليكتشف إصابته بجلطة شريانية وانسداد وتضيق فى خمسة شرايين.. وتم اخضاعه بشكل عاجل لجراحة دقيقة لترقيع الشرايين المسدودة كللت بالنجاح.. وبعد الجراحة الزم نفسه بكل التعليمات الصحية التى من شأنها المحافظة على سلامة الرقع الشريانية ومنع ارتداد الانسداد أو التضيق مرة أخرى.. توقف نهائياً عن التدخين.. بدأ فى ممارسة رياضة المشى يومياً لأكثر من ساعة.. كان يمارس هذه الرياضة بعد صلاة الفجر بانتظام، امتنع عن الأطعمة الدسمة ونجح فى التخلص من الوزن الزائد وتحسنت حالته الصحية، ولكن ما حدث بعد ذلك كان شديد الغرابة.
بعد حوالى ثلاثة أعوام من الجراحة تعرض صديقى لأزمة قلبية جديدة.. اكتشف الأطباء عودة الانسداد والتضيق فى عدد كبير من الشرايين المغذية للقلب.. وخضع لعملية توسيع للشرايين باستخدام البالون والدعامات المعدنية عبر القسطرة.. وبعد مدة قصيرة عاد التضيق.. أصبح زبوناً دائماً على أقسام القلب والعناية المركزة.
قبل أيام زرته فى القاهرة وهالنى ما رأيت.. فقد أصبح بدينا جداً.. علمت انه توقف تماماً عن ممارسة رياضة المشى أو أى نشاط رياضى آخر بعد شهور قليلة من الجراحة.. نسى أو تناسى كل قواعد الغذاء الصحى.. وهو ما تأكدت منه عندما دعانى إلى تناول الغداء فى منزله الصيفى على شاطئ الإسكندرية.. كانت المائدة عامرة بكل أصناف الأطعمة الدسمة المطهية بالمسلى الحيوانى.. وتصورت انه لن يتناول معنا أيا من هذه الأصناف.. لأنها ضارة جدا بالأصحاء ويتضاعف ضررها وخطرها عند مرضى القلب.. ولكنه على العكس من ذلك تناول كميات كبيرة منها.. ولم أجد تفسيراً واحداً لكل ذلك.. ولم يستطع هو أيضاً تفسيره.. فهو يعرف ولا يعمل بما يعرف.. وهو ينتحر ببطء فيما يمنح مرضاه الأمل فى الشفاء.
تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد أكوام الكعك التى تصطف على شكل أهرامات عملاقة فى المخابز استعدادا للعيد.. كل هذه الكميات سوف تشق طريقها إلى بطوننا خلال أيام.. واسترجعت بعضا من المعلومات التى تناولت ظاهرة الكعك وأضرارها الصحية.. فما لا نعرفه أو نعرفه ونتجاهله أو نحاول ألا نتجاهله ونضعف أمام إغراء المذاق الحلو والطعم اللذيذ أن أربع كعكات لا غير تمنح الإنسان حوالى 2000 سعر حرارى أى أكثر من احتياجه اليومى من السعرات.. ولأننا نتناول الكعك كنوع من التسالى بجانب أصناف الطعام الدسمة الأخرى فإن كل هذه السعرات تتحول إلى دهون وشحوم ووزن زائد واعتلال صحة.. وبرغم ذلك تصطف الطوابير أمام أهرامات الكعك للفوز ببعض منه قبل العيد