الشائعات والأكاذيب التى تعرضت لها مصر خلال السنوات الماضية – ولا تزال تتعرض لها- لم يتعرض لها بلد فى العالم، خاصة فى عالمنا العربي، وهى تستهدف كل شيء فى مصر سياسة واقتصاد وصحة وأمن وغير ذلك.. وهذه الشائعات لم تترك شيئا إلا وطالته.. كما لم تنج شخصية عامة من الشائعات التى تستهدف تشويه صورتها وفقدان الثقة فيها.
والشائعة فى أبسط معانيها هي: معلومة غير صحيحة تنطلق من خلال وسيلة اعلامية معادية، أو يرددها شخص أو عدة أشخاص من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف أن يرددها الناس دون التحقق منها فتنتشر وتحقق أهدافها.. والأهداف هنا ليست أخلاقية فالهدف من الشائعات هو التأثير السلبى فى نفوس الناس، ودفعهم الى سلوك معين وهو فى الغالب سلوك عدوانى يستهدف الاضرار بمؤسسات بلده.
لكن يبقى السؤال المهم: هل حققت هذه الشائعات أهدافها وأدت الى النتيجة التى يستهدفها هؤلاء الذين يحاربون مصر بالشائعات؟
الحقيقة أنها لم تحقق أهدافها ولم تحقق ما يستهدفه هؤلاء الذين أدمنوا نشر الأكاذيب وتضخيم الأحداث الصغيرة واختلاق الوقائع أو تفسيرها وفق هواهم، والفضل فى ذلك يرجع للمواطن المصرى الذى ارتفع وعيه بشكل كبير ولم يعد يلتفت للشائعات ويدرك أنه يتحمل قدرا كبيرا لحماية وطنه وتحقيق أمنه واستقراره حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحته الشخصية ومعاناته المعيشية.
>>>
المواطن المصرى الواعى يدرك جيداً أن الشائعات وسيلة الضعفاء والعاجزين، ولذلك تستخدمها وتعتمد عليها جماعات الضلال الدينى والنصب السياسي، كما تعتمد عليها الدول المعادية كوسيلة لتحقيق أهدافها.. ويدرك أيضا أن الشائعات تنتشر وتحقق أهدافها الخبيثة فى المجتمعات التى يقل فيها الوعى الشعبى فقد فشلت تلك الوسيلة فى دفع المصريين الى تحقيق أهداف الجماعات المعادية لمصر، فالشعب المصرى يعرف جيدا حجم الأكاذيب التى تستهدف وطنه، وحجم ما تروج له فضائيات مأجورة وعناصر هاربة تعمل لصالح جماعات تستهدف عرقلة مصر ومنعها من تحقيق طموحات شعبها.
صمود الشعب المصرى فى مواجهة الشائعات يؤكد ارتفاع وعيه السياسى والوطنى وهناك بسطاء يعانون من شظف العيش هنا وهناك ومن الصعب أو من المستحيل اختراق وعيهم الوطنى ودفعهم الى سلوك معاد للوطن، وهو الأمر الذى أصاب أعداء استقرار مصر باليأس والاحباط، فقد راهنوا على نجاح أكاذيبهم فى دفع بعض المصريين الى ارتكاب سلوكيات معادية وفشلوا، وراهنوا على قدرة أكاذيبهم فى تشويه صورة مصر عالميا واقليميا وعربيا وفشلوا، وراهنوا على شغل الحكومة المصرية بالشائعات عن تحقيق أهدافها التنموية وفشلوا.
>>>
كل ما سبق لا يعنى أن نتهاون فى مواجهة الشائعات التى تستهدف استقرار مجتمعنا سياسيا واقتصاديا خاصة أن الانفتاح الاعلامى وفاعلية مواقع التواصل الاجتماعى واتاحتها لكل المصريين جعل منها ساحة مفتوحة لكل أشكال الشائعات المغرضة والمعلومات المضللة، ونفى الشائعات أمر مهم يجب أن تقوم به كل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها مجلس الوزراء.. لكن ما ينبغى أن نحرص عليه هو كشف الحقائق أولا بأول فمن شأن الشفافية والتداول الحر للأخبار والمعلومات والحقائق لا يعطى فرصة لشائعة أو أكذوبة أن تنطلق من الأساس ولو انطلقت فعوامل دحضها وفشلها موجودة أصلا قبل انطلاقها.
المواجهة الشعبية للشائعات والأكاذيب مهمة للغاية، لأننا شعب متدين وتشكل تعاليم الدين الجزء الأكبر من ثقافته ووعيه، وهنا علينا أن نتعرف على الموقف الشرعى من ترويج الشائعات بما لها من آثار مدمرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.. وخير من يحدثنا عن هذا الأمر هو فضيلة د. شوقى علام مفتى الجمهورية السابق حيث يقول: «لقد تضافرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على حرمة المشاركة فى نشر الأكاذيب والأقاويل غير المحققة والظنون الكاذبة من غير أن يتثبت المرء من صحتها، ومن غير رجوع إلى أولى الأمر والعلم والخبراء بالأمور قبل نشرها وإذاعتها حتى لا نثير الفتن والقلاقل بين الناس، وقد وصف الله سبحانه مايسمى الآن بـ(ترويج الشائعات) بالإرجاف، وهو ترويج الكذب والباطل بما يوقع الفزع والخوف فى المجتمع».
ويندرج ترويج الشائعات تحت النهى عن القيل والقال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، ويدخل فى قيل وقال: الخوض فى أخبار الناس وحكايات مالا يعنى من أحوالهم وتصرفاتهم فضلا عن الترويج للأكاذيب والأضاليل وما يثير الفتن كما أن مروِج الشائعة لو أدرك عظم الجرم الذى يفعله بسبب الآثار المدمرة على المجتمع لما تهاون بصنيعه قط.