كان تحول القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام إشارة إلى بدء مرحلة جديدة من مراحل التاريخ البشرى تتغير فيه القيادة وكذلك التكليفات الكبرى والمسئوليات عن البشر عامة وأفكار المجتمعات بل والقيم الحضارية وميزان التفاضل بين بنى الإنسان.. كان تحويل القبلة إيذانا بحقبة توحيدية جديدة تعيد الدين ناصعًا لا تشوبه شائبة مع وعد ببقائه على حالة الوضوح والصفاء هذه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ««إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» وبالتالى يستطيع أن يعود إلى صفائه من أراد كلما أوغلت فئة من الناس فى البعد عنه وعليه يحاسب من انحرف بلا حجة فى الجهل بالحقيقة.
لذا كانت أهمية هذا الحدث وكانت خطورته.
الذى يتأمل الأمر يستطيع أن يقف على حديثين مترابطين يكمل أحدهما الآخر، والعجيب أو الرابط الثالث أنهما حدثا فى شهر شعبان وهذان الحدثان هما معجزة الإسراء والمعراج وحادث تحويل القبلة.. صحيح أنهما لم يحدثا فى سنة واحدة وإنما حدثا فى شهر واحد أما الرابط فهو العلاقة بالمسجد الأقصى التى شاء الله أن يكلف الأمة الجديدة التى تحولت إليها – مثل تحويل القبلة -الخيرية بشروطها وبمسئوليتها فكانت الزيارة النبوية التاريخية الاعجازية إلى المسجد الأقصى والصلاة بالانبياء فى ساحته والصعود من هناك إلى سدرة المنتهى حيث الملأ الأعلى.
أما تحويل القبلة فكان إعلاناً بنهاية خيرية أمة وختام لمسئوليتها تجاه الأمم لأنها لم تلتزم بشروط الخيرية ألا وهى: الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والايمان بالله، هذه الشروط التى أشار إليها القرآن فى قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ « لكن هذه الأمة غيرت وحرفت واشترت بآيات الله ثمنا قليلاً فحرمت من الخيرية بل حكم عليها الخالق العظيم باللعن والذلة قال تعالى. «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».
وقد نفهم هذا التغير الجديد فى كل أحواله البشرية وهذا الانطلاق مما قاله الرسول فى خطبته فى حجه الأكبر».
«وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض».
وكأن الرسول «صلى الله عليه وسلم» عندما قال هذا كان يعلن عن هذه المرحلة الجديدة أو هذه الدورة الجديدة من دورة الزمن التى تنضبط فيها كل الأشياء الزمن والعقيدة والصواب والقوانين الانفع التى تنظم حياة الناس واجتماعهم يتضح فيها الحرام كما هو حرام والحلال كما هو حلال بلا شك ولا التباس ولا زيف.
فى ذكرى هذا التحويل العظيم نعيش تحويلا حقيقياً يحدث على أرض الإسراء والمعراج ارض القبلة الأولى ألا وهو التحولات الكبرى فى معركة الصراع بين أصحاب الحق فى مواجهة الباطل الذى تقف خلفه قوى كبرى تحميه. تشاركه جبروته ولا تعبأ بالصواب الذى فى وضوح الشمس فى صحراوات إفريقيا. إلا أن المقاومة ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية تأبى ضياع الحق وسقوطه بل بدأت مرحلة جديدة فى الثبات على الحق دون خوف من بغى الباغين وهو أمر له ما بعده.