الإصلاحات النقدية والمالية التى قدمتها الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية تؤكد أن هناك وعياً بمايدورفى أسواق المال العالمية خاصة فى القطاع المصرفى الذى يشهد تطورًا ملحوظًا فى الأونة الأخيرة، خاصةً المرونة الكبيرة فى التوافق مع الأحداث والتحديات التى تواجه العالم وأهمها بمنطقة الشرق الأوسط التى تأثرت سلبًا بشكل كبير بما فيها مصر بأحداث غزة والسودان وسوريا ولبنان، حيث انعكس كل ذلك على فوضى أو إنفلات سوق صرف النقد الأجنبى وحدوث اختناق فى تلبية العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد خامات ومستلزمات الإنتاج والسلع الإستراتيجية.
كل هذه الاهتزازات والاضطرابات استطاعت الإصلاحات الاقتصادية بما فيها الإصلاحات المصرفية امتصاص تداعياتها السلبية وتلبية احتياجاتنا من العملة الصعبة وتعزيز احتياطينا من النقد الأجنبى الذى يلامس الآن الـ 47 مليار دولار، كل هذا تحقق رغم الظروف القاسية التى تحيط بنا من صراعات مختلفة داخل المنطقة أثرت على طاقة تشغيل قناة السويس التى هبطت حاليًا إلى 30 ٪ من طاقتها الإنتاجية، هذا بجانب التراجع الملحوظ فى طاقات تشغيل قطاع السياحة الذى وصل إلى 15 مليون سائح بدلاً من المستهدف المنشود وهو 20 مليون سائح رغم التطوير الهائل الذى تم داخل هذا القطاع وأعمال البنية التحية التى شهدها على مدار السنوات العشر الماضية والمشروعات السياحية والتوسعات الجديدة.
كل هذه التحديات نجحت مصر فى تجاوزها والتزمت بسداد كل التزاماتها المالية العالمية فى عام 2024 والتى تصل إلى 39 مليار دولار، وكذلك توفير التمويل اللازم للاعتمادت المستندية للشراء من الخارج خامات ومستلزمات إنتاج المصانع وباقى احتياجات البلاد.
كل هذه البطولات الاقتصادية التى خرجت من رحم صراعات دامية داخل منطقتنا الملتهبة تؤكد أننا أمام إصلاحات اقتصادية مرنة تمتص كل الصدمات بكل أنوعها وأشكالها المختلفة، إصلاحات استطاعت التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والوصول إلى قرارات حكيمة تلاشت معها مخاطر كبيرة كان أخرها قرار تعويم 6 مارس الماضى الذى ساهم فى ضبط إيقاع سوق صرف النقد الأجنبى والقضاء على السوق الموازى والدليل نجاحه فى مضاعفة تحويلات المصريين بالخارج الذى وصل فى العشر شهور الأولى من عام 2024 نحو 24 مليار دولار تقريبًا.
إن توجيهات القيادة السياسية بالتنسيق الدائم بين السياسات النقدية والمالية ومتابعتها المستمرة لهذا الملف ساهم بشكل كبير فى استقرار هذه السياسات.