الإصلاحات النقدية والمالية التى قدمتها الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية تؤكد أن هناك وعياً بمايدور فى أسواق المال العالمية خاصة فى القطاع المصرفى الذى يشهد تطورًا ملحوظًا فى الأونة الأخيرة، خاصةً المرونة الكبيرة فى التوافق مع الأحداث والتحديات التى تواجه العالم وأهمها بمنطقة الشرق الأوسط التى تأثرت سلبًا بشكل كبير بما فيها مصر بأحداث غزة والسودان وسوريا ولبنان، حيث انعكس كل ذلك على فوضى أو إنفلات سوق صرف النقد الأجنبى وحدوث اختناق فى تلبية العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد خامات ومستلزمات الإنتاج والسلع الاستراتيجية.
كل هذه الاهتزازات والاضطرابات استطاعت الإصلاحات الاقتصادية بما فيها الإصلاحات المصرفية إمتصاص تداعياتها السلبية وتلبية احتياطاتنا من العملة الصعبة وتعزيز احتياطي النقد الأجنبى الذى يلامس الآن الـ 48 مليار دولار، كل هذا تحقق رغم الظروف القاسية التى تحيط بنا من صراعات مختلفة داخل المنطقة أثرت سلبا على طاقة تشغيل قناة السويس، هذا بجانب التراجع الملحوظ فى طاقات تشغيل قطاع السياحة رغم التطوير الهائل الذى تم داخل هذا القطاع وأعمال البنية التحية التى شهدها على مدار العشر سنوات الماضية والمشروعات السياحية والتوسعات الجديدة على كافة الأصعدة والتى تفوق الخيال.
كل هذه التحديات نجحت مصر فى تجاوزها والتزمت بسداد كل التزاماتها المالية العالمية فى عام 2024 المُنصرم والتى تصل إلى 39 مليار دولار، وكذلك توفير التمويل اللازم للاعتمادات المستندية للشراء من الخارج للخامات ومستلزمات إنتاج المصانع وباقى احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية.
كل هذه البطولات الاقتصادية التى خرجت من رحم صراعات دامية داخل منطقتنا الملتهبة تؤكد أننا أمام إصلاحات اقتصادية مرنة تمتص كل الصدمات بكل أنوعها وأشكالها المختلفة، إصلاحات استطاعت التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والوصول إلى قرارات حكيمة تلاشت معها مخاطر كبيرة كان آخرها قرار تعويم 6 مارس قبل الماضى الذى ساهم فى ضبط إيقاع سوق صرف النقد الأجنبى والقضاء على السوق الموازية والدليل نجاحه فى مضاعفة تحويلات المصريين بالخارج التى وصلت إلى 32 مليار دولار.
إن توجيهات القيادة السياسية بالتنسيق الدائم بين السياسات النقدية والمالية ومتابعتها المستمرة لهذا الملف ساهم بشكل كبير فى استقرار هذه السياسات وتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الاسثمار خاصة الأعباء الضريبية ورسوم الاستثمار الأخرى التى يتحملها المواطن فى النهاية.