مع عودة حركة البناء والتشييد إلى نشاطها الطبيعي، بعد قرار الحكومة بالسماح بالبناء مرة أخرى وفقاً للقانون رقم 119 لسنة 2008، سوف يزداد الاقبال على شراء حديد التسليح بقوة، باعتباره العنصر الاساسى فى عمليات قطاعات البناء والتشييد، وكان من المفترض ان تنخفض أسعاره بالاسواق لتتقارب مع الأسعار العالمية وفى الدول المجاورة، حيث ان أسعاره محلياً مازالت تشهد ارتفاعاً بمقدار 15000 جنيه عن نظيره السعودى والاردنى والتركي، وهو ما يمثل عبئاً ثقيلاً على اسعار الوحدات والشقق السكنية للشباب ويرفع اسعارها بنسبة لا تقل عن 25٪.
لا شك أن الفارق بين سعر الحديد المحلى والمستورد مازال كبيراً جدا ويتطلب أن تتدخل وزارة التجارة وتخفض أسعار الحديد، حتى يكون هناك توازن فى الاسعار بين المحلى والمستورد، حيث ان جميع مصانع حديد تسليح كلها قطاع خاص وتتحكم فى السوق وتفرض الاسعار التى تناسبها لانه لا يوجد منافس لها سواء من القطاع العام أو من المستورد، بسبب الحماية التى فرضتها الحكومة لها من خلال فرض رسوم إغراق على الواردات من حديد التسليح منذ عدة سنوات، ومع الجهود الكبيرة التى تبذلها الحكومة لدفع عجلة قطاع التشييد والبناء ليعود إلى سابق عهده كما كان ليقود حركة التنمية والمعمار من جديد ليحدث انتعاشة بالاسواق، لذا كان يجب على مصانع انتاج حديد تسليح أن تسارع وتبادر من تلقاء نفسها بخفض أسعارها لتتقارب وتتناسب مع الاسعار العالمية والدول المجاورة، لكنها لم تفعل ذلك.
فما يحدث فى سوق حديد التسليح، يثير علامات استفهام.. حيث ان جميع أسعار المصانع المحلية المنتجة لحديد التسليح تكاد تكون شبه متقاربة تماماً، والفارق بينها بسيط جدا لا يتجاوز الـ 500 جنيه فى الطن الواحد وكأنها متفقة على تقارب الاسعار ولا يوجد اختلاف يذكر فى مستوى الاسعار بينها وتسيطر على الاسواق، لأن الحماية التى فرضتها الحكومة من رسوم إغراق بنسبة كبيرة، أدت لصعوبة دخول المستورد من حديد التسليح، بل منعته نهائياً.. لذا فهى تتحكم فى السوق وحدها بقوة منذ عدة سنوات، وتفرض الاسعار التى تحقق لها أكبر هامش ربح على حساب المستهلك، حيث يباع سعر طن الحديد فى الدول العربية مثل الاردن والسعودية ودول الخليج وتركيا بأسعار لا تتجاوز 27 ألف جنيه، فى حين يباع الطن فى مصر بسعر يصل لـ 43 ألف جنيه!
بصراحة، فإن غلق سوق الحديد على شركات الانتاج المحلى بدعوى الحماية من الإغراق، يمثل خطأ فادحاً، لانه يقضى على المنافسة ويساعد على الاحتكار والتحكم ويتسبب فى أضرار عديدة للمستهلك، لأنه يتم فرض سعر بيع عليه بالسوق، وليس لديه خيارات يصبح مضطراً للشراء بهذه الاسعار، فالأمر يتطلب سرعة إلغاء رسوم الحماية والإغراق، لإجبار مصانع حديد التسليح المحلية على خفض الاسعار والنزول بها إلى ما يعادل السعر العالمى وأسعار الدول المجاورة، حتى يؤدى ذلك إلى خفض تكاليف البناء والتشييد وينعكس على خفض أسعار الوحدات والشقق السكنية.
لقد حان الوقت لضبط سوق حديد التسييح ورفع الحظر عن الحديد المستورد فى السوق المحلى وتركه للعرض والطلب لإحداث التوازن فى الاسعار، خاصة بعد ان استفادت شركات الانتاج المحلى من حديد التسليح من الحماية وغلق السوق عليها أكثر من 10 سنوات، تحكموا فيها وفرضوا الاسعار الخيالية التى حققوا منها أرباحاً ضخمة دون مراعاة البُعد الاجتماعى فى الحفاظ على خفض الاسعار للحد من تكاليف البناء والتشييد، وبالتالى ارتفعت اسعار الشقق والوحدات السكنية بنسبة كبيرة ومازالت حتى الآن تشهد هذا الارتفاع.
أعتقد أن انخفاض اسعار حديد التسليح واستقرارها بالاسواق، سيكون له مردود ايجابى على القطاعات الصناعية المختلفة بصفة عامة، وفى مقدمتها البناء والتشييد، وايضا الصناعات الهندسية والمعدنية.. حيث انه يمثل عنصراً اساسياً فى مدخلات العديد من الصناعات الاخري.. والحقيقة، أن الانفتاح فى عمليات التشييد والبناء وبالعودة إلى القانون رقم 119 لسنه 2008، سيزداد الطلب والاستهلاك على حديد التسليح، ليصبح اكبر من حجم الانتاج المحلي، وبالتالى ليس هناك مبرر لاستمرار فرض رسوم الحماية والإغراق على المستورد، لأننا فى احتياج كبير إلى كميات كبيرة من حديد تسليح لتغطى احتياجات الاستهلاك، خاصة أن قطاع التشييد والبناء من القطاعات الضخمة التى يمكن ان تستوعب ضعف حجم الانتاج المحلى من حديد التسليح، حيث يعمل بهذا القطاع اكثر من 4 ملايين عامل عمالة مباشرة وغير مباشرة وهو رقم كبير يجب ان نحافظ عليه بفتح السوق للعرض والطلب حتى يكون هناك توازن فى الاسعار وحدوث انتعاش لكل الحرف والمهن القائمة عليه خلال المرحلة القادمة، فغلق السوق على مصانع حديد التسليح المحلية، ليس فى صالح قطاعات التشييد والبناء، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها.. لذا فإن تحديات استمرار فرض رسوم الحماية والإغراق على حديد التسليح المستورد سنوات أخري، يهدد ويعوق انتعاش وانطلاقة قطاعات التشييد والبناء الضخمة خلال المرحلة القادمة.