يواجه الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان منذ أدائه اليمين الدستورية فى 30 يوليو 2024 عدة تحديات معقدة فى حاجة إلى معالجات دقيقة وفق حسابات شاملة وحذرة. بعض هذه التحديات يتصل بالشئون الداخلية، وبعضها الآخر يتعلق بالعلاقات الخارجية، الإقليمية والدولية، من حيث علاقات إيران مع الحلفاء من غير الدول، والخصوم وخاصة إسرائيل والقوى الغربية.
وعلى المستوى الداخلى يحرص بزشكيان، المنتمى للتيار الإصلاحي، على التوفيق بينه وبين التيار المحافظ وعلاقته الجيدة مع كثير من قياداته. وسبق أن تبنى فى حملته الانتخابية مطالب الإصلاحيين من انفتاح على الدول الغربية، ورعاية مصالح الأقليات والعرقيات فى المجتمع الإيراني، وهو نفسه من أب أذرى وأم كردية، ورعاية حقوق المرأة وعدم إهانتها بسبب تطبيق قانون ارتداء الحجاب الذى لا يعارضه، ولكنه يرفض إهانة المرأة بسبب تطبيقه، وأكد على احترام الحريات العامة.
شكل بزشكيان عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية لجنة استراتيجية من نحو 450 عضواً لها لجان فرعية، برئاسة وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، صاحب الدور الأكبر فى مفاوضات التوصل للاتفاق النووى الإيرانى مع القوى الكبرى عام 2015، وكان من أبرز مهام اللجنة بحث ودراسة المواصفات والشروط والمؤهلات الواجب توافرها فى الوزراء الذين تتشكل منهم الحكومة الجديدة بحيث تكون حكومة وطنية تمثل هيئات وفئات المجتمع الإيراني، وأرسلت اللجنة الشروط إلى النقابات ومنظمات المجتمع المدنى والجامعات والأحزاب السياسية والشخصيات القيادية التى ترشحت فى انتخابات الرئاسة، لترشح كل جهة وزراء وفقاً للشروط المطلوبة. ولكن تشكيل الحكومة الجديدة الذى قدمه الرئيس بزشكيان للبرلمان لمنحها الثقة، جاء مختلفاً بدرجة كبيرة، فمن بين أعضاء الحكومة المكونة من 19 وزيرا، عشرة منهم فقط تنطبق عليهم شروط اللجنة، وثمانية منهم من المحافظين. وانتقد بعض الإصلاحيين إعادة تعيين وزراء من حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وانتقد عضو برلمانى من السنة عدم تعيين وزير واحد يمثل السنة بالمخالفة لوعود بزشكيان أثناء حملته الانتخابية بضرورة مراعاة حقوق الأقليات العرقية والدينية. وانتقد المحافظون تعيين محمد جواد ظريف نائباً لرئيس الجمهورية للشئون الاستراتيجية حيث يرون أن ظريف كان وراء عقد الاتفاق النووى الذى أضر بمصالح إيران من وجهة نظرهم.
وقد أدى هذا الوضع إلى أن يعلن محمد جواد ظريف استقالته من منصب نائب الرئيس بعد ساعات من إعلان بزشكيان تشكيل الحكومة الجديدة وتقديمها للبرلمان. وأوضح ظريف، وهو الذى كان له دور فعال فى حملة بزشكيان الانتخابية، أن تشكيلة الحكومة المقترحة لم تضم سوى 10 وزراء من الذين اقترحتهم اللجنة، وأن اختيار الحكومة من حق رئيس الجمهورية ورأى اللجنة استشاري، لكنه ليس راضياً عن نتيجة عمله، ويشعر بالخجل لعدم قدرته على تحقيق الرؤية الفنية للجان وضمان حضور النساء والشباب والأقليات كما سبق أن وعد بذلك، وأنه يأمل فى تعويض النقص فى تشكيل الحكومة فى بعض مناصب نواب الرئيس المتبقية.. وقال إنه واجه بعض الصعوبات بعد توليه منصب نائب الرئيس بسبب حمل أولاده الجنسية الأمريكية، وأنه يرغب فى العودة للتدريس فى الجامعة.
وتعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والحريات العامة، وحقوق الأقليات من التحديات الكبيرة التى يواجهها الرئيس وإيران. وكذلك مسألة ارتداء المرأة الحجاب إجبارياً الذى سبق أن أبدى بزشكيان أنه يحترم القانون الخاص بذلك ولكن دون التعرض للمرأة وإهانتها بسبب الحجاب، ولكنها ستظل قضية مجتمعية فيها شد وجذب بين الإصلاحيين والمحافظين.
وبالنسبة لرد إيران على الإهانة التى لحقت بها بالاعتداء على سيادتها وأمنها باغتيال إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى طهران وهو ضيف على إيران، فهل يكون رداً قوياً موجعاً كما يرى الحرس الثورى الإيراني، أم يكون رداً محدداً ومحدوداً يتجنب أية مخاطر لتوسيع الصراع فى المنطقة ولترك شعرة معاوية لإمكانية تحقيق رغبة بزشكيان فى فتح حوار مع الدول الغربية. وثمة محاذير كثيرة للرد الإيرانى دعت واشنطن والدول الغربية الرئيسية إلى إعلان دعمها ودفاعها عن إسرائيل إذا تعرضت لعدوان إيراني، وتم حشد الأساطيل الحربية الأمريكية وحاملات الطائرات والصواريخ فى المنطقة لتحذير ومنع إيران من الإقدام على عمل عسكرى كبير ضد إسرائيل، والتلويح فى نفس الوقت بفتح حوار غير مباشر مع إيران، والعمل على وقف إطلاق النار فى قطاع غزة لتهدئة إيران والمنطقة.
لقد وجد الرئيس مسعود بزشكيان نفسه محاطاً بعدة تحديات داخلية وخارجية منذ الساعات الأولى لتوليه السلطة، وليس لديه اختيار إلا أن يواجهها بالبحث والدراسة وفقاً لمصالح إيران وعدم إدخالها فى دائرة لا ترغب فيها ولا تريدها.