قلت قبل أيام ان الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة أمام مهمة غاية فى الصعوبة لكن مؤهلات عبدالغفار تمكنه من النجاح إذا اعد رؤية متكاملة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع من خلال تشخيص دقيق للواقع الذى نعيشه أو يعيشه المواطن المصرى وابرز التحديات التى تواجه بناء الإنسان بالمفهوم الشامل ليس فقط صحياً وتعليمياً ومهارياً وتأهيلاً لسوق العمل بل يتعدى الأمر ذلك إلى بناء فكرى وثقافى ودينى واخلاقى وتوعوى وهى محاور تمثل جزءاً اساسياً من الأمن القومى بمفهومه الشامل أيضاً، تتضمن ترسيخ أسس الولاء والانتماء وربط المواطن أو الشباب المصرى بتاريخه وحاضره ودفعه إلى المستقبل من خلال تمكينه بأفضل المقومات والقدرات.
لابد ان نتصارح فى البداية وقبل وضع أى رؤية بالتحديات والافات التى تواجه المجتمع المصرى وما يعانيه من مخلفات عقود طويلة من التسطح والاهمال لعنصر بناء الإنسان والابتذال والتدنى والثقافة الاستهلاكية، كما يجب ان يدرك من يضع الرؤية ان هناك حروباً تواجه مصر للغزو والاختراق الثقافى وكذلك ما يموج به الفضاء الإليكترونى من ثقافات وافكار عبثية وغريبة وشاذة بطبيعة الحال نالت من بعض الفئات فى مجتمعنا وما نراه على السوشيال ميديا واحياناً فى الشارع والواقع من انتهازية وانانية ولا مبالاة وعدم مسئولية واحتكار وجشع وبذاءات واساءات تحتاج بطبيعة الحال إلى مراجعة على كافة المستويات فى الأسرة والمدرسة والجامعة والفن والإعلام ليقوم كل منهم بدوره فى الخطة أو الرؤية التى تستهدف التعافى وبناء منظومة أخلاقية ترتبط بشكل وثيق بالنمط الاخلاقى والحضارى المصري، من طيبة وكرم وارتباط شديد بالوطن وقدرة على التحمل والصبر والاخلاق الرفيعة والتعايش والحقيقة ان القاعدة والجوهر موجودان، فمازال المصريون يحتفظون بهذه الصفات وملامح الشخصية المصرية والتى تظهر وتتجلى فى المحن والشدائد التى تواجه الوطن، لكننا نود التأكيد والحفاظ عليها فى ذلك الغزو الثقافى والاستهداف الإعلامى المعادى والفضاء الإلكترونى الذى يموج بخلايا ظلامية.
التنمية البشرية فى تصورى ليست فقط الرعاية الصحية والتعليمية والرياضية ولكنها عملية شاملة تتضمن كل ذلك إضافة إلى تنمية القدرات الذهنية والفكرية والثقافية وخلق وبناء شخصية متسعة الافق وسطية الملامح والصفات قادرة على الحوار والتعاطى مع الآخر دون تعصب أو عنف أو تطرف أو تشدد لبناء شخصية شديدة الارتباط بالوطن وأرضه وتحدياته شديدة الانتباه لخطورة ما يحاك له وما يواجه مشروعه الوطنى من حملات ضارية من الاكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه ومحاولات ضرب اللحمة الوطنية، وهز الثقة وايقاع الفتنة، شخصية مستنيرة منفتحة واسعة الأفق شديدة الوعى والفهم والثقافة فكل ذلك يمثل أهم اسلحة مواجهة الحرب الوجودية التى تستهدف العقل المصرى بالتزييف والتضليل والتحريض من خلال أفكار هدامة ومعلومات مغلوطة وكاذبة لذلك لابد ان نملأ هذا العقل بجواهر الفكر المعتدل والوسطى والبناء والوطني.
تحتاج عملية التنمية البشرية إلى نموذج استثنائى من خلال روح الفريق الواحد فالدكتور خالد عبدالغفار لن يكون بطبيعة الحال بمفرده أو معه وزارة الصحة فقط ولكن هناك وزارات ومؤسسات يجب ان تكون حاضرة فى عملية التنمية البشرية مثل المؤسسات الدينية كالأزهر والكنيسة والأوقاف والافتاء والمؤسسات التعليمية مثل المدرسة والجامعة «وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالي» ووزارة الثقافة وما لديها من مؤسسات للابداع والفن والإعلام أيضاً سواء من خلال المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الوطنية للصحافة والإعلام والشركة المتحدة ككيان عملاق، بالإضافة إلى الدور المحورى لوزارة الشباب والرياضة وأيضاً التضامن الاجتماعى ولا يوجد مانع من مشاركة مؤسسات المجتمع المدنى أو التحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموي.
الحديث عن التنمية البشرية من خلال رفع القدرات المهنية والحرفية وتغيير المسار من الجانب النظرى لخريجى الكليات النظرية إلى كسب مهارات حرفية وتكنولوجية ومهنية يحتاج إلى تضافر وزارات مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خاصة فى تمكين الشباب من قدرات متفوقة فى هذا المجال للحصول على فرصة أو وظيفة تدر دخلاً كبيراً فى سوق العمل الإلكترونى والبرمجة، كما ان الأمر يتطلب تعاوناً مع وزارات الصناعة وقطاع الاعمال والإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع ربما يكون الأمر حديثاً عن ريادة الاعمال لكن الواقع يفرض انها تنمية بشرية تمكن الشباب من الحصول على فرص عمل حقيقية فى السوق المحلى والإقليمى والدولى وهو أمر شديد الارتباط بالجانب الاقتصادى للدولة كما يمكن الاستعانة بالكيانات الصناعية والتكنولوجية للقطاع الخاص والكيانات الاستثمارية فى إطار المساهمة بالتدريب والتأهيل.
أما الحديث عن الجانب الابرز وهو التنمية البشرية من المنظور الفكرى والثقافى والبناء الاخلاقى والتوعوى فإنه بالنسبة لى قضية أمن قومى ترتبط ببناء العقل الآمن والسليم الذى يوفر الحماية لهذا الوطن فى ظل الحروب الجديدة التى تدار ضد العقول ومصر مستهدفة بشكل مكثف بهذه الحروب لذلك لابد ان تكون رسائل ومهام ودور المؤسسات الدينية أكثر وضوحاً فى أهدافها وآلياتها واستثمار كل ما نستطيع من خلاله الوصول إلى عقول الشباب بكافة الوسائل والسبل الحديثة والتقليدية المهم أن تكون لدينا اجندة واضحة بأهداف محددة، تواجه تحديات تم رصدها بعناية، من أجل التوضيح والافهام وبناء الوعى من خلال كوادر مؤهلة ومدربة ومقبولة واسعة الافق حسنة المظهر، تستطيع ان تتفاعل مع الشباب وتبنى معه جسور الثقة والحب والاحترام والوعى والحوار والانفتاح دون وجود خطوط فطبيعة الحال لدى الشباب تساؤلات كثيرة أو مفاهيم مغلوطة أو حالة من البحث عن الحقيقة لذلك من المهم ان يكون هناك تواصل فعال وعلمى وبناء بين المؤسسات الدينية والشباب.
أيضاً نحن نحتاج إلى مشروع ثقافى وطنى وخلق حالة ثقافية مهومة بالوطن وازالة بعض مظاهر التدنى واستعادة الريادة الثقافية المصرية من خلال حملات وجولات طرق الابواب للتنقيب عن المواهب الثقافية ودعمها وتشجيعها وفتح الابواب أمامها والتخلص من التسطح والابتذال والتدنى والتقليد الأعمى ومواجهة حقيقية للغزو الثقافى الغريب عن طبيعة الشخصية والثقافة والحضارة والاصول المصرية، هذا المشروع سوف يعيد حالة الزخم، ولا أدرى اين اختفى بناء الوعى عن طريق الغناء، ولماذا اختفت الاغانى الوطنية التى تحمل رسائل مهمة من تحديات الوطن والتهديدات التى تواجه مسيرته وتخلق حالة من الحماس الوطنى وتعزز الانتماء لهذا الوطن حتى الأغانى الشعبية يمكن أن توجه من خلالها رسائل وطنية للناس البسطاء.
لا يجب ان يكون التعليم المدرسى والجامعى مقصوراً على تحصيل المواد التخصصية ولكن لابد من تعظيم الجانب الفكرى من خلال الحوارات المفتوحة والثقافية والابداعية لاننا نحتاج جيلاً قادراً على الفهم والمواجهة، أتمنى للدكتور خالد عبدالغفار التوفيق فى مهمته وللحديث بقية.