المنطقة مشتعلة وتزداد اشتعالا بأفعال وتصريحات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يدفع الإقليم برمته إلى السقوط في بئر سحيق ممتلئة بكل أشكال الكراهية والأحقاد، العرب يرفعون راية السلام الحقيقي منذ اوسلو ويصرون على أن طريق السلام خيارهم الاستراتيجي، لكن على الجانب الآخر نجد إسرائيل ترفع رايات الحروب وتُصر على أن المعادلة صفرية ولا مجال لوجود دولة فلسطينية، الغريب ان إسرائيل الدولة والشعب في حالة توافق وانسجام تام حول رفض إقامة دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال، الحكومة والمعارضة والكنيست جميعهم متفقون على محو فلسطين وطمس فكرة الدولة، نتنياهو يعلن مرارا ان أوسلو خطأ كبير لن يتكرر وأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، والكنيست يعلن ويؤكد ذلك، القصة ليست بن غفير ولا سموتريتش ولا حتى ليبرمان، القضية ان الشعب الإسرائيلي في غالبيته اصبح يمينيا متطرفا دمويا عنصريا طائفيا، نحن لا نريد ان نعترف بأننا أمام دولة تمقت النازية نهارا وتمارسها جهارا في حالة من الازدواجية والتناقض الفاضح، لذلك لا يجب أن ننحي حقيقة الداخل الاسرائيلي المتجه بعنف إلى العنف، بيد أن رفع أوراق التوراة والتلمود وإلقاءها على المشهد وعمل الإسقاطات المطلوبة لتديين المعركة وتصديرها أمام المجتمعات اليهودية بأنها «حرب مقدسة» وأن كل ما يجري من حروب وصراعات هو «بأمر الرب» وهنا لابد وان نقلب في دفاتر هؤلاء الصهاينة كما فتشنا في دفاتر الخوارج عن الدين الإسلامي وكشفنا زيفهم، أتذكر اليوم تلك القصة الموثقة في الأدب التلمودي والتي تؤكد ان هؤلاء كاذبون ويجادلون حتى مع ربهم.
فعندما جلس الكاهن الأعظم لبنى اسرائيل أليعازر تحت شجرة الخروب ليشرح لهم مسألة »طهارة الأفران« وبعد جهد جهيد فى محاولة إقناعهم بأن الفرن الذى تخبز فيه أرغفة الخبز بعد اشعاله طاهر وليس به نجاسة، فرفضوا ما جاء به من فقه وسخروا منه وطالبوه بآية يأتى بها تدلل على صدق كلامه، فقال لهم ما بالكم اذا كان كلامى صحيحا ستتحرك شجرة الخروب من مكانها 100 ذراع، قالوا له دعنا نر، فتحركت الشجرة لمسافة قيل وصلت الى 400 ذراع، فصاحوا ساخرين منه قائلين »كيف نستشهد بشجرة حقيرة لا يأكل منها الا الفقراء والبهائم والخنازير إنها شجرة الخراب، وطالبوه بآية أخرى، فقال لهم أترون هذا النهر وهذه المياه الجارية؟ قالوا نرى، قال سينحسر النهر وتجف المياه، فانحسر النهر أمام أعينهم، فقال لهم أليعازر هل آمنتم؟ قالوا لن نؤمن حتى نرى جدران المعبد تهتز، فاهتزت الجدران حتى كاد المعبد أو المعهد يتهدم فوق رؤسهم، فصرخ فيه أحد الطلاب وقال له كيف ينتهى الجدال بتحرك حوائط المعبد؟ هنا صاح أليعازر وقال لهم سيكون الدليل هاتفاً من السماء يهاتفكم، فجاءهم الهاتف من الرب وعندما حدث ذلك قالوا للرب »مكانك فوق فى السماء وليس فى الارض، السماء لك والارض لنا ولن نسمع لك فيما يخص ما يجرى على الأرض« ولعنوا أليعازر وعزلوه من منصبه وحرقوا كل الأفران!!! هذه القصة تعكس لنا قصة بنى اسرائيل وجدالهم وتكبرهم على أحبارهم وأنبيائهم ووصل فُجْرَهم الى عصيان تعاليم ربهم، وهنا لنا وقفة وعبرة وعظة مع ما يجرى حولنا الآن فى صراعنا مع الكيان الصهيونى، لنعلم جميعا أننا لا نواجه محتلا عاديا مثل باقى المحتلين، فهؤلاء ليس لهم كلمة وليس لهم وعد او عهد، فإذا أردنا أن نتعامل مع هؤلاء فعلينا أن نعيد قراءة التاريخ ونغوص فى تفاصيل الشخصية اليهودية، ونفرق بين ما هو توراتى وما هو تلمودى وماهو عهد قديم، علينا أن نعرف أن كل الاسانيد التى يستند عليها الصهاينةويسوقونها على انها تعاليم دينية هى ليست كذلك ولا علاقة بينها وبين التعاليم الدينية الحقيقية، علينا أن نعلم كذلك أن هؤلاء الذين وصفهم السيدالمسيح بأنهم »أولاد الأفاعي«.
ليسوا من آمنوا بأسفار موسى عليه السلام، لقد فتحت حرب غزة بابا للمناظرات الكبرى والتى يجب أن تحظى باهتمام النخبة المثقفة التى من المفترض أن تقود معركة فكرية مختلفة فى سياق احداث مختلفة شكلاً وموضوعاً عن كل الاحداث المماثلة من قبل، لقد استيقظ العالم على أحداث جديدة وجديرة بمعالجات مختلفة بعد افتضاح أمر القوم الذين شيدوا قلاعاً من الوهم عما يسمى بحقوق الانسان والحريات المزعومة وغيرها من المفاهيم التى وقفت عاجزة فى التعبير عن نفسها خلال هذه الأزمة.