حالة من التفاؤل تسود جنبات الإقليم البائس الذى نعيش فيه، فبعد فترة هى الأطول والأعنف فى تاريخ الصراع العربى – الإسرائيلي، بدأ قطار الصراع يتوقف فى محطات التهدئة، المحطة الأولى كانت فى لبنان الحزين بواقعه الأليم والذى سطت وسيطرت ميليشا حزب الله على قراره ومقدراته وجمدت منصب رئيس الجمهورية لأكثر من عامين، اليوم تعود الدماء لتجرى فى عروق الدولة اللبنانية بعد التوافق على أن يتولى قائد الجيش اللبنانى جوزيف عون رئاسة الجمهورية ثم اختيار رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، بالطبع كان هناك توافق دولى وإقليمى ساعد فى الوصول إلى هذه الصورة المقبولة.
لكن الملاحظ أن الدور الفرنسى غاب عن المشهد اللبنانى وحل محله دور أمريكى جديد ظهر جلياً خلال الحرب فى جنوب لبنان وما أعقبها من اتفاقات التهدئة والهدنة، أما المحطة الثانية فكانت سوريا حيث تم الاتفاق والتوافق فيما يبدو بين كل من الولايات المتحدة من ناحية وروسيا وإيران من ناحية أخرى على حزمة اتفاقات وتفاهمات تبدأ برحيل وخروج الأسد إلى روسيا وتفكيك وحل الجيش السورى وقيام إسرائيل بتدمير الأسلحة والمعدات والتجهيزات العسكرية التى خلَّفها الجيش العربى السورى بعد انسحابه المخطط، ثم إعطاء الضوء الأخضر لتحالف جبهة تحرير الشام للتقدم صوب دمشق بعدما تم إخلاء الطرق المؤدية إلى هناك ليصل أبومحمد الجولانى أو أحمد الشرع إلى القصر الرئاسى ليمارس أمور الحكم من خلال تصريحات براقة تبشر بأن سوريا ستتحول إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة خلال سنوات قليلة، مع إشارات على الدعم والمساندة والمباركة الإقليمية لهذه الخطوات بعدما أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للانخراط فى دعم القادمين الجدد! هذه التحركات أدت إلى حالة تهدئة بادية فى الأفق لكن السؤال هل ستستمر حالة الهدوء أم ستتلاشى عما قريب؟.
أما المحطة الثالثة والأهم فهى محطة غزة، حيث الملامح شبه النهائية لمسودة اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى برعاية ثلاثية مصرية – قطرية – أمريكية، ربما تكون مفاوضات هذه الجولة هى الأقرب للوصول إلى اتفاق، الرئيس الأمريكى اجرى اتصالاً بكل من الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بمراجعة المسودة النهائية بعد موافقة حماس وإسرائيل، وربما يتم التوقيع على هذا الاتفاق قبل نشر هذا المقال، ووفقا لهذا الاتفاق سيكون هناك وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات ثم الانخراط فى شكل اليوم التالى لإدارة القطاع، أما المحطة الرابعة فى اليمن، حيث إنه من المتوقع أن يوقف الحوثيون ضرباتهم فى جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب فور وقف إطلاق النار فى غزة، وبهذا تعود الملاحة مرة أخرى إلى قناة السويس كما كانت قبل الحرب، وهذا الطرح يتوقف تحقيقه على السلوك الإسرائيلى تجاه جماعة الحوثي، فهناك اتجاهان لدى الساسة والعسكريين الاسرائيليين، الأول ضرورة هزيمة الحوثيين وتقليم أظافرهم كما حدث مع حماس وحزب الله، أما الثانى فيرى أن وضع الحوثيين يختلف، حيث الطبيعة الجغرافية المعقدة والتى يمكن أن تكون مصيدة للجيش الإسرائيلي، وهنا نصل إلى السؤال المفصلي، هل هذه المحطات التى ذكرناها والتى تمثل فيما بينها «خط التهدئة» تهدئة حقيقية أم أنها خطة تمويه لتجهيز المسرح استعداداً لضرب إيران؟؟