الإسلام له فلسفة فقهية وفكرية تبنى ولا تهدم وتُعَمِّرُ ولا تدمِّر، والتنقيح والتجديد إحياء لفهم النصوص بما يتلاءم مع الواقع المتغير وهو ما أكدته د.فريدة حسن عميدة كلية الدراسات الإسلامية بنات فى حوارها مع «الجمهورية» مشددة على أهمية دور المؤسسات الدينية فى تجديد الخطاب الدينى وضبط الفتوى ومناقشة القضايا الفقهية الحديثة التى تتطلب اجتهاداً فقهياً جماعيًا لمواكبة التطورات المعاصرة.
>> تجديد الخطاب الدينى وتنقيه الفقه من فتاوى التشدد تواجه رفض من المتطرفين .. كيف نتعامل مع هذا الملف؟
> الإسلام دين يسر وسماحة ويجب على من يحملونه للناس أن يقدموه بصورته الصحيحة بعيداً عن التشدد أو التفريط، وأن يبحثوا عن الميزات التى يمتلكها الفقه الإسلامى من ناحية المرونة والقدرة على التجدد ومسايرة الأزمنة المختلفة، ولا يحصرون الفقه الإسلامى بكل تراثه وميراثه الغنى الثرى فى بعض مسائل وقتية وأحداث زمنية لها تداعيات خاصة ثم يسحبونها على واقع مختلف تماما ويصدرون للعالم رؤية كاذبة بأن هذا التشدد والتعصب يعكس منهجية الإسلام شريعة الرحمة والمودة والمحبة التى جاءت لإنقاذ الإنسان من الانحلال الفكرى وعبادة الأوثان، وقامت بإرساء أسس ومناهج تهدف إلى إعلاء قيمة ومكانة الإنسان، وارتكزت مبادئها فى أن الآدمى بنيان الرب، وجعلت اللعن والطرد من رحمات الله تعالى جزاء من يقترب من الآدمى بالخوف أو التهديد أو الإيذاء، ورغم كل تلك الإنسانية فى منهجية الشريعة فإننا نجد جماعات الانحراف والضلال تقوم بحصرها فى مجموعة نصوص لها ظروف خاصة، وتعتبرها بمثابة تقييد لعموم الشريعة الداعية إلى مبادئ الرحمة والتعايش المشترك.
>> هل معنى هذا ضرورة تنقيح الفقه الإسلامي؟
> بالفعل الفقه الإسلامى جاءت عليه فترة زمنية كان بحاجة إلى تنقيح، وقد لمس الأزهر الشريف وإمامه الأكبر د.أحمد الطيب هذا وقامت لجان متخصصة من علماء الفقه الإسلامى بعمليات تنقيح شاملة لكافة تلك المسائل التى كانت لها سياقات زمنية محددة، وتم عرض المستخلص من تلك العملية الشاملة فى صورة نهائية على المجامع الفقهية العالمية حتى يفيدوا منها فى بناء العقلية الشبابية أو الترجمة لمسلمى الغرب أو لغيرهم من الباحثين عن المعارف الإسلامية ليتبينوا حقيقة الإسلام من منابعه الصافية بعيدا عن المغالطات المتشددة، ويتحقق الجميع أن الإسلام له فلسفة فقهية وفكرية تبنى ولا تهدم وتُعَمِّرُ ولا تدمِّر، والتنقيح والتجديد ليس خروجا عن الأصول بل إحياء لفهم النصوص بما يتلاءم مع الواقع المتغير، وهذا واجب العلماء والمجتهدين فى كل زمان ومكان.
>> يقولون إن باب الاجتهاد الفقهى تم إغلاقه فهل ذلك صحيح؟
> الاجتهاد الجماعى والمؤسسى مستمر من خلال المجامع الفقهية والمراكز الإسلامية، ولا يمكن لأحد الادعاء بإغلاق باب الاجتهاد، فباب الاجتهاد مفتوحاً فى المسائل التى لا يوجد فيها نص قطعى خاصة مع المستجدات التى تطرأ على حياة المسلمين وتحتاج حلولا شرعية، ولهذا نقول إن الاجتهاد فى الإسلام بابه لم يغلق بشكل مُطلق، ولكنه مرتبط بشروط وأهلية معينة.
>> عقب فتح شعبة القراءات للبنات هل يمكننا أن نجد صاحبات صوت جميل يزاحمن الرجال؟
> الهدف الأساسى من تلك الشعبة تمكين الطالبات من دراسة القراءات بشكل أكاديمى وعلمى وتعزيز دورهن فى نشر علوم القرآن وليس الدخول فى منافسة مع الرجال بل تكامل الأدوار لتحقيق رسالة القرآن الكريم وفتح شعبة القراءات للبنات ليس بهدف المزاحمة وإنما هو استكمال لدور المرأة فى حفظ وتعليم القرآن الكريم وإبراز مهاراتهم فى هذا المجال وإذا وُجدت صاحبات أصوات جميلة من الفتيات فإن هذا يُعد نعمة وميزة تُساهم فى إثراء الساحة القرآنية لكن لابد أن تكون فى إطار الضوابط الشرعية والأعراف الإسلامية.
>> الرسائل العلمية فى مجالات الفقه والحديث هل تحتاج آلية تتوافق والمتغيرات العصرية؟
> من الضرورى أن تتبنى الجامعات ومراكز البحث رؤية واضحة لتوجيه الرسائل العلمية نحو القضايا التى تُحدث أثراً ملموساً فى الواقع مع مراعاة الضوابط الشرعية والاحتياجات المجتمعية وبالتأكيد الرسائل العلمية فى مجالات الفقه والحديث تحتاج آليات تتوافق مع المتغيرات وتطلب من الباحثين اعتماد مناهج علمية تجمع بين الأصالة والمعاصرة مع التركيز على دراسة القضايا الحديثة التى تواجه المسلمين فى شتى المجالات مثل الاقتصاد الرقمى والذكاء الاصطناعى وقضايا البيئة وغيرها.
>> كيف يكون الرد على أصحاب دعاوى أن المرأة لا تصلح للفتوى أو التعليم الشرعي؟
> المرأة التى تتأهل علمياً وشرعياً لا يقل دورها عن الرجل فى الفتوى والتعليم الشرعى مع مراعاة الضوابط الشرعية والله سبحانه وتعالى لم يفرِّق بين الرجل والمرأة فى التكليف بحمل العلم ونشره بل جعل التقوى والعمل الصالح معيار التفاضل والرد على هذه الدعاوى يتطلب العودة إلى السيرة النبوية والتاريخ الإسلامى حيث كانت المرأة شريكة فى حمل رسالة الإسلام وتعليمها الصحابيات الجليلات كنَّ منارات علم مثل السيدة عائشة رضى الله عنها التى كانت مرجعاً فقهياً وعلمياً للأمة وتعلَّم منها كبار الصحابة.
>> مبادرة بداية التى أطلقتها الدولة بهدف الارتقاء بالإنسان حققت نجاحاً كبيراً .. كيف دعمتم هذه المبادرة ؟
> الأزهر الشريف داعم لجميع المبادرات الوطنية الهادفة بناء إنسان متكامل قادر على النهوض بنفسه ووطنه، وللعلم فإن هذه المبادرات ليست جميعها تقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الاحتياجات المعيشية، بل إن أبرز دعائمها التقويم الفكرى للإنسان وهذا دور مؤسسات التعليم العالى بما تملكه من دور محورى يساعد على تعزيز التوعية والإرشاد وتنمية وعى الشباب حتى يمكننا إعداد أجيال واعية تجمع بين العلم والقيم فمبادرة بداية تعكس رؤية الدولة الواعية بأهمية الاستثمار فى الإنسان بوصفه الركيزة الأساسية للتنمية الارتقاء بالإنسان.
>> بمناسبة الافتاء .. كيف تكون مواجهة الدخلاء غير المتخصصين فى إصدار الفتاوي؟
> الفتوى مسئولية عظيمة تتطلب العلم الشرعى المتخصص والاعتماد على القرآن الكريم والسنة النبوية وفهم مقاصد الشريعة ويجب أن يكون هناك تنظيم دقيق ومنع غير المتخصصين من إصدار الفتاوى عبر القنوات الإعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعى وتعزيز الوعى لدى الجمهور بعدم قبول الفتاوى إلا من مصادر موثوقة ومعروفة بالعلم والتخصص بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات الدينية مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء فى تدريب وتأهيل المفتين ونشر الفتاوى الصحيحة ومواجهة الشائعات والتصدى للفتاوى المغلوطة التى تصدر من غير المتخصصين بحزم وتوضيح الأخطاء الشرعية التى تتضمنها.
>> فى رأيك ما هى أبرز التحديات التى تواجه المؤسسات الدينية؟
> انتشار الفكر المتشدد أو المنحرف يمثل تحدياً كبيراً فى التصدى للأفكار المتطرفة يتطلب جهوداً مكثفة فى نشر الفهم الصحيح للإسلام الذى يقوم على الوسطية والاعتدال بالإضافة إلى مواجهة الانفتاح الإعلامى مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى أصبح من الصعب التحكم فى تداول المعلومات الدينية المغلوطة والفتاوى غير الموثوقة والتعامل مع القضايا المعاصرة التى لم تكن موجودة من قبل مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى كما أن المؤسسات الدينية تحتاج موارد كافية لتطوير برامجها وتأهيل العاملين بها ودعم أنشطتها الدعوية هذه التحديات تتطلب العمل الجاد والتخطيط المستقبلى لتعزيز دور المؤسسات الدينية فى المجتمع.
>> ما تعليقك على الإجرام الصهيونى والموقف المصرى وموقف الأزهر الشريف؟
> استهداف الأبرياء وتدمير البنية التحتية يعكس وجه الاحتلال الحقيقى الذى لا يعرف إلا العنف والدمار أما عن الموقف المصرى فهو دائماً موقف مشرف ومتوازن يعبر عن الدور القيادى لمصر فى دعم القضية الفلسطينية فتح المعابر لتقديم المساعدات الإنسانية ودعم الشعب الفلسطينى يعكس التزام مصر الثابت بقضايا الأمة كما أن موقف الأزهر الشريف كان ولا يزال صوتاً قوياً فى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين حيث يدين الأزهر الجرائم الصهيونية بشكل واضح ويطالب المجتمع الدولى بالتحرك الفورى لوقف هذه الممارسات والأزهر يُذكّر المسلمين والعالم بواجبهم تجاه القضية الفلسطينية ويؤكد أن القدس هى قضية عقيدة وكرامة للأمة الإسلامية ونحن فى كلية الدراسات الإسلامية بنات ندعم هذه الجهود من خلال التوعية والمشاركة فى المبادرات الإنسانية إيماناً منا بأن القضية الفلسطينية هى قضية كل مسلم وكل إنسان حر.