بعض الظواهر السلبية فى المجتمع، والغريبة عليه تحتاج إلى الغوص فى أعماق الأزمة وتدفع علماء الاجتماع والسلوك إلى التخلى عن الوسائل والأساليب التقليدية والنمطية التى لم تتغير منذ عقود طويلة وظلت جامدة فى معظم الدراسات ووسائل الماجستير والدكتوراه لا تجد فيها أى جديد وهى نفس مضامين عقود ماضية مديدة.. لذلك هم فى حاجة إلى رصد مجتمعى حقيقى لتحديد التحديات والظواهر المجتمعية الغريبة، وهو ما يتطلب النزول إلى أرض الواقع.. والغريب اننى لا أسمع عن مركز البحوث الاجتماعية وأين هى دراساته وتوصياته وأبحاثه، وأين بحوث الاستقصاء وتحليل المضمون لما ينشر من وقائع حادة وجرائم عنيفة ودراستها وتحليلها والوصول إلى جذورها وأسبابها؟!، ويأتى ذلك أيضا فى ظل الانتشار الواسع لأقسام الاجتماع وعلم النفس فى عشرات كليات الآداب أو كليات الخدمة الاجتماعية.. لذلك نحتاج إلى رؤية مختلفة ومواكبة عصرية وجادة وواقعية بعيداً عن التنظير والعبارات الإنشائية.. نحتاج إلى فرق تغوص فى أعماق المجتمع لتخرج بالنتائج والظواهر والأسباب وتخرج أيضا برؤى وتصورات للعلاج والتقويم.
مجتمع الجامعة، مازال متجمداً ثابتاً عند الماضي.. عند معطيات مختلفة ومغايرة لما نعيشه وما يفرضه العصر الذى نواجه تحدياته، فالطالب يحضر للجامعة يدخل المحاضرات.. لم يغادر الجامعة ليحضر فى اليوم الثاني، فأين بناء الشخصية؟!، وأين تنمية طرق وأساليب التفكير؟!، وأين ترسيخ الوعى الشامل بكل ما يحيط به؟!، وأين التفاعل الحقيقى مع أعضاء هيئة التدريس وما لديهم من خبرات وعلم ومهارات؟!، وأين الحوار المفتوح بين الطلاب والشخصيات العامة والمفكرين والنماذج القدوة بالمعنى الحقيقى للقدوة؟!، وأين اطلاعه على الواقع ومعايشته له؟!، أليس جديراً برؤساء الجامعات تنظيم زيارات للعاصمة الإدارية مثلاً أو التفكير فى تنظيم زيارات لمركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية والتعرف على هذه الطفرة والقفزة والطموح، خاصة أن المركز يحتاج إلى تسويق وترويج مجتمعى عن ماهيته وأهميته ودوره وعوائده على الوطن والمواطن ومزاياه الكثيرة.
لدينا قلاع وإنجازات لابد أن تسترعى اهتمام المسئولين على الجامعات، لأن الشباب هم قلب الاهتمام وهو دور مهم فى إطار التربية الوطنية وترسيخ الوعى والولاء والانتماء والفهم الصحيح لمتطلبات المستقبل، وأيضا الوعى والفهم لرؤية الدولة وهدفها فى تحقيق التقدم ومجابهة الأكاذيب والتشويه والتشكيك فى كل إنجاز ونقلة وقفزة إلى المستقبل، بهدف نشر الإحباط.
الكليات والمعاهد العسكرية وأكاديمية الشرطة، تبنى رجالاً بحق وأجيالاً تمتلك الجدية والاستقامة والوعى والإرادة والانتماء والإيثار وإنكار الذات، وهى بالفعل مصانع للرجال.. فلماذا لا نأخذ روح العقيدة والرؤية والفكرة، ونطبقها بالمفهوم المدنى فى الجامعات المصرية؟!، بمعنى أن تكون لدينا رؤية للبناء الشامل للشخصية المصرية ممثلة فى الشباب، تنفذ بكل جدية وموضوعية وتقييم دائم ومستمر.. والملاحظ، أن فكرة المتابعة والجدية والتقييم الموضوعى تستحوذ على أولوية عظمى لديّ، لأنها أساس كل نجاح، وتقييم موضوعى وجاد لكل ما ينفذ، ولولا ذلك فإننا نحرث فى الماء، لا تتحول الأقوال إلى أفعال.. وهنا أجد القدوة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لا يترك أمراً أو مشروعاً أو موضوعاً إلا شمله ورعاه بالمتابعة الميدانية على أرض الواقع، بالنزول إلى الموقع والاطمئنان على سلامة ومثالية ومعايير التنفيذ، وأيضا يتابع عبر الاجتماع بالمسئولين فى كل المجالات ويسأل ويستعرض كل صغيرة وكبيرة.. لذلك تحصد مصر ثمار هذه المتابعة والموضوعية فى التقييم والاطمئنان عن التنفيذ.. لكن للأسف، لدينا مسئولون يعشقون إطلاق العنان للعناوين الإنشائية دون أن يزوروا المواقع أو يطمئنوا على جودة التنفيذ أو واقعية العوائد على الأرض.. لذلك أقول دائماً إن كل وزير لابد أن يطمئن على شغله حتى ولو كان فى أقصى البلاد.. فعلى سبيل المثال، رصد الدولة مخصصات غير مسبوقة تقترب من نصف تريليون جنيه لمجال الرعاية الصحية، لذلك من المهم أن يطمئن المسئول عن كل كبيرة وصغيرة ويتابع بنفسه وأعضاء فريقه من خلال زيارات ميدانية للمستشفيات فى الصعيد وبحرى وقبلى والمحافظات الحدودية، لأن هذه الأمور ترتبط برضا المواطنين وأيضا بالاطمئنان على سلامة الإنفاق وعوائدها فى ظل هذه المخصصات غير المسبوقة، لأن الدولة وقيادتها السياسية لا تتأخر على الاطلاق فى تحقيق كل ما يحقق جودة الحياة والخدمات وبناء الانسان المصري.. وللحديث بقية.